خطوة بخطوة … التقديم على الجامعات الأمريكية المتميزة

لا يخفى على أحد توجه المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان العربية والإسلامية لابتعاث أبناءها وبناتها للدراسة في الخارج، وهذا التوجه يتيح للمبتعثين الاستفادة من علوم وتجارب بلاد العالم ونقلها لبلداننا. ولكن ما يؤسفني أن عددا غير قليل من المبتعثين لا يحرص كثيرا أو ربما لا يعرف كيفية البحث عن قبول في جامعة متميزة في تخصصه تتناسب مستواه الدراسي، مما ينتج عنه دراسة بعض الطبة في جامعات أقل من مستواهم وأحيانا أقل بكثير من مستواهم، فبالتالي يضيع قدر كبير من الفائدة المرجوة من الابتعاث.

وبناء على تجربتي واطلاعي على خطوات  التقديم على الجامعات الأمريكية ولحاجة من قرر مواصلة الدراسة العليا لعدد من النصائح للتقديم على هذه الجامعات فقد ألقيت محاضرة بجامعة الملك سعود بعنوان “خطوة بخطوة … التقديم على الجامعات الأمريكية المتميزة” تحدثت فيها تحديدا عن التقديم على الجامعات الأمريكية المتميزة لمواصلة دراسة الماجستير والدكتوارة.

يمكن الاطلاع على شرائح العرض الخاصة بالمحاضرة من خلال هذا الرابط على صفحتي في جامعة الملك سعود:
http://fac.ksu.edu.sa/sites/default/files/stepbystepapplyingtotopusschools.pdf

كما أنصح الراغبين في التقديم على الجامعات الأمريكية بالاستفادة كذلك من مرجع آخر وهو كتيب الزميل الدكتور نزيه العثماني الأستاذ المساعد بقسم الهندسة الكهربائية بكلية الهندسة في جامعة الملك عبدالعزيز بعنوان “إجراءات القبول والدراسات العليا في أمريكا” والذي عودنا دائما على الإتقان والتفاني في إخراج ما يكتب، يمكن القراءة أكثر عن الكتاب وتحميله من خلال هذين الرابطين من مدونته:
http://alothmany.me/blog/?p=321
http://alothmany.me/blog/?p=377

هل الماجستير تصلح لي؟

نشرت هذه التدوينة كمقال في رسالة الجامعة – العدد 1057 – تاريخ 1432/5/26 هـ الموافق 2011/4/30 م

ناقشت في المقال السابق متى تكون دراسة الدكتوراه خياراً صائباً للمرء، وسأتحدث في هذا المقال عن دراسة الماجستير. وسأتطرق في حديثي إلى سؤالين فرعيين هما: ما هي طبيعة التخصص الذي أدرسه؟ وهل أدرس مباشرة بعد التخرج أم أؤجل ذلك بعد أن أمارس العمل الميداني لعدد من السنوات؟

ابتداء دراسة الماجستير أسهل وأقصر بكثير من دراسة الدكتوراه إذ إن مدة الدراسة تتراوح من سنة إلى سنتين «دون احتساب مدة دراسة اللغة» كما أن إجراء الأبحاث فيها اختياري. ولكن دراسة الماجستير ليس لها قيمة وظيفية تذكر خاصة للمتخرج حديثاً الذي يريد العمل في شركات القطاع الخاص، وغالباً ما تفضل الشركات موظفاً متخرجاً حديثاً لديه خبرة وظيفية مدتها سنتان على آخر قضى هاتين السنتين في دراسة الماجستير. لذا من المفترض ألا تختار دراسة الماجستير لأسباب وظيفية إلا إن كنت متيقناً من فائدتها الوظيفية لك في ترقية مرتبتك الوظيفية وما يتبع ذلك من زيادة دخلك.

فما هي الأسباب التي يراها الناس مقبولة لتبرير دراسة الماجستير؟ تنحصر الأسباب في ثلاثة: أولها حب طلب العلم والاستزادة منه سواء كان ذلك في نفس التخصص أو تخصص جديد، السبب الثاني يتعلق بشعور الشخص بحاجته للتميز خاصة إذا كان من المتميزين في دراسته أثناء البكالوريوس، أما الثالث فهو الرغبة في الابتعاث والعيش في الخارج سواء كانت دواعي ذلك رفع مستوى اللغة الإنجليزية أو المتعة أو صقل الشخصية واكتساب الخبرة.

قد يضيف البعض أن من جملة الأسباب المقبولة لدراسة الماجستير هو اكتساب معلومات جديدة تساهم في التطوير الوظيفي. وصحيح أن دراسة الماجستير تساهم في ذلك ولكنها ليست الطريقة الأمثل، إذ إن الطريقة المثلى هي من خلال دورات مختارة بعناية أو مصممة لطبيعة عملك، بحيث تكون التكلفة فيها أقل والوقت أقصر.

ولكن بإمكان دراسة الماجستير أن تكون مفيدة لك وظيفياً إذا درستها مع التركيز على ما تحتاجه طبيعة عملك. ولكن الإشكالية أن المرء لن يعرف طبيعة عمله إلا بعد سنوات من العمل، وهذا مما يشجع على العمل بعد التخرج واكتساب الخبرة قبل إكمال الدراسة. فمن كانت طبيعة عمله في مجال هندسي دقيق استطاع أن يواصل دراسة الماجستير في هذا المجال، ومن كان مجال عمله متعلقاً بكتابة العقود في مجال تخصصه فدراسة القانون تبدو خياراً مناسباً له، ومن كانت طبيعة عمله في كتابة الأنظمة المتعلقة بالاستخدامات الهندسية أمكنه مواصلة دراسته في مجال الإدارة والسياسات العامة، ومن كان يعمل في إدارة الموارد البشرية فإن مواصلة دراسته في هذا المجال خيار موفق له، ومن كان عمله في إدارة الأعمال فإن دراسة ماجستير إدارة الأعمال «MBA» خيار مناسب جداً له.

ولكن يجدر بك أن تتنبه أنك كلما كبرت ثقلت بك نفسك عن مواصلة الدراسة سواء كان ذلك لأسباب داخلية من بعدك عن بيئة الدراسة لسنوات، أو لأسباب خارجية من مثل ارتباطك بوظيفة أو مركز وظيفي يصعب عليك تركه، أو زوجة وأولاد كبرت أعمارهم وتخشى عليهم من الإقامة في الخارج، فهذا أمر عليك أن تبت فيه وتصلي الاستخارة وتقوي علاقتك بربك فهي سبب للاستقرار النفسي.

رابط المقال في رسالة الجامعة: http://rs.ksu.edu.sa/46415.html

هل الدكتوارة تصلح لي؟

نشرت هذه التدوينة كمقال في رسالة الجامعة – العدد 1056 – تاريخ 1432/5/19 هـ الموافق 2011/4/23 م

حرصت الممكلة على أن يتحول مجتمعنا إلى مجتمع المعرفة، وكسبيل لتحقيق ذلك وفرت الدولة فرص الابتعاث الخارجي لمواصلة الدراسات العليا عن طريق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي تشرف عليه وزارة التعليم العالي، مما جعل أحد أكثر الأسئلة الملحة التي يطرحها المتخرج حديثا هو “هل أواصل دراستي العليا في الخارج أم لا؟” وسأناقش في هذا المقال رأيي الشخصي حول إجابة هذا السؤال فيما يخص دراسة الدكتوارة، وسأخصص المقال القادم للحديث عن دراسة الماجستير.

بداية أرى أن شهادة الدكتوراة يفترض ألا يسعى لها المرء إلا لغرضين أساسيين، الأول العمل كأستاذ جامعي في مجالات التدريس والبحث وخدمة المجتمع. والثاني العمل كباحث في مركز أبحاث كمدينة مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. قد يخالفني البعض ويضيف أن من أغراض شهادة الدكتوارة المساعدة في الحصول على وظيفة مرموقة. ورأيي أن بإمكانها أن تفيد ولكن بعد أن تمارس عملك في جامعة أو مركز بحثي لعدد من السنوات تبني خلالها علاقاتك ومهاراتك ومعلوماتك المتعلقة بسوق العمل، إذ أن شهادة الدكتوارة بذاتها لا توظفك في منصب إداري عالي، فليس من المتخيل أن يرجع المرء من الابتعاث ويتوظف في مثل هذا المنصب إلا أن يكون له خبرة وظيفية سابقة أو علاقة بالجهة التي وظفته.
لذا فإن على من يفكر بإكمال دراسة الدكتوارة أن يفكر أولا بطبيعة عمله بعد تخرجه ورجوعه سالما إلى وطنه. عليه أن يطرح على نفسه السؤال التالي ويفكر بشكل جاد في إجابته عليه: هل أحب البيئة الجامعية؟
ويندرج تحت هذا السؤال الأسئلة التالية: هل أحب العمل كأستاذ جامعي؟ هل سأحب التعامل مع الطلاب؟ هل سيكون لي صبر على التدريس؟ هل أرغب بالاستمرار بزيادة حصليتي العلمية وإجراء الأبحاث العلمية؟
إذا كنت لا تحب من البيئة الجامعية الجوانب المتعلقة بالتدريس، ففكر في العمل في مركز بحثي، وهنا تندرج الأسئلة التالية: هل تحب العمل في بيئة بحثية؟ هل تجد نفسك في البحث العلمي؟ هل تحب زيادة حصيلتك العلمية؟
تذكر أن دراسة الدكتوارة ومن قبلها دارسة الماجستير واللغة ستأخذ قدرا كبيرا من عمرك (5-9 سنوات)، فلا تصرف كل هذه السنوات إلا من أجل العمل في وظيفة ستحبها.
فإذا كنت تحب العمل كأستاذ جامعي أو كباحث في مركز بحثي، فاطرح على نفسك السؤال التالي: هل لدي الجلد والقدرة لدراسة الدكتوارة؟ هل لدي الاستعداد أن أسهر وأنام وأستيقظ وأنا أفكر في حل مسألة بحثية معينة سأشعر أحيانا أنها مسألة لن تقدم ولن تؤخر في العالم شيئا؟

إذا أجبت على هذه الأسئلة بنعم فهذا مؤشر قوي أن دراسة الدكتوارة تصلح لك، ويبقى عندها أن تقارن خيار دراسة الدكتوارة بباقي خياراتك الوظيفية وتستشير عدد جيد من ذوي المعرفة والخبرة وتصلي الاستخارة وتتوكل على الله.

رابط المقال في رسالة الجامعة: http://rs.ksu.edu.sa/45307.html

انتهاء عناوين الإنترنت.. هل يوقف نموها في عام 2011؟

نشر هذا المقال اليوم في صفحة تقنية المعلومات بصحيفة الرياض – العدد 15626 – تاريخ 1432/5/2 هـ الموافق 2011/4/6 م
http://www.alriyadh.com/2011/04/06/article620987.html

مع دخولنا لعام 2011 م فإننا بتنا قريبين من اللحظة التي تنضب فيها جميع عناوين بروتوكول الإنترنت (IPv4)، إذ إنّه من المتوقع أن تنفد هذه العناوين بسبب الزيادة المستمرة في عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت، وهذا سيحتم على مشغلي ومزودي خدمة الإنترنت الانتقال للإصدار 6 من بروتوكول الإنترنت (IPv6) بعد تأجيل وتسويف دام أكثر من عقد من الزمان.

وحتى نفهم مشكلة نفاد عناوين الإنترنت علينا أولا أن نفهم كيف تتصل الأجهزة بهذه الشبكة الكبيرة. والأجهزة هنا تشمل الحاسبات الشخصية والأجهزة التي تستضيف مواقع الإنترنت (Server) أو تلك التي تصل النقاط الشبكة المختلفة ببعضها البعض (Router) أو غيرها من الأجهزة التي تقوم بغيرها من المهام. كل جهاز يتصل بالإنترنت لا بد أن يكون لديه عنوان رقمي، ويوصف هذا العنوان ب IP Address و IP هي اختصار ل Internet Protocol، أي بروتوكول الإنترنت والذي تقوم عليه جميع الاتصالات عبر الإنترنت. كما أن أسماء جميع المواقع (مثل http://www.alriyadh.com) مرتبطة بعنوان IP.

العنوان في البروتوكول الحالي عبارة عن رقم يتكون من 32 خانة عدد ثنائي (بت)، والبت يأخذ قيمتين فقط إما واحد أو صفر. فبالتالي لمعرفة عدد الأرقام الممكنة التي يأخذها العنوان علينا أن نضرب رقم 2 في نفسه 32 مرة، ويصبح الناتج 4.3 مليارات عنوان. ولكن منذ ما يقرب من عشرين سنة رأى خبراء الإنترنت أن 4.3 مليارات عنوان لن تكفي وذلك بسبب الازدياد الكبير المتوقع في أعداد المستخدمين والمواقع وباقي الأجهزة الأخرى المتصلة بالشبكة الكبيرة. مما قاد الباحثين والمهندسين في عام 1994 م لتصميم بروتوكول جديد للإنترنت يعرف ب IPv6 حيث خصص للعنوان 128 بت.

الانتقال من البروتوكول القديم إلى الجديد تأخر سنوات ومن أسباب ذلك التكلفة المتمثلة في ترقية البنية التحتية للإنترنت لاستخدام البروتوكول الجديد، إضافة إلى ذلك توفر بعض العلاجات المؤقتة للمشكلة. ولكن ما يكاد يجمع عليه العاملون في مجال تشغيل الإنترنت أنه في عام 2011 م سيضطر مشغلو ومزودو خدمة الإنترنت للانتقال إلى استخدام البروتوكول الجديد لأن 4.3 مليار عنوان وقتها لن تكفي!

وهنا قد تطرح مجموعة من الأسئلة ذاتها:

الأول: وما الذي يضمن أننا بعد عشرين أو حتى خمسين سنة من الآن لن نضطر للانتقال إلى إصدار جديد آخر من البروتوكول بحكم نفاد العناوين مرة أخرى؟

الثاني: ما هي العلاجات المؤقتة التي استطعنا من خلالها التعايش مع عناوين البروتوكول السابق المحدودة؟

وسؤال ثالث قد يطرحه البعض: هل يقدم الإصدار الجديد من البروتوكول تحسينات على الإصدار السابق؟

إجابة السؤال الأول: هل ستكفينا عناوين البروتوكول الجديد؟

لمعرفة إن كانت هذه العناوين ستكفي فعلينا أولا معرفة عدد العناوين الممكنة وذلك بإعادة تطبيق نفس العملية التي شرحتها في بداية المقال وذلك بضرب رقم 2 في نفسه ولكن هذه المرة 128 مرة ويصبح الناتج رقم مهولا وهو 340 مليار مليار مليار مليار عنوان. فالسؤال هل سيكفي هذا العدد من العناوين؟

الإجابة تعتمد على عدد سكان الأرض، وحيث أن عدد سكان الأرض في ازدياد مطرد إضافة إلى أنه في المستقبل يتوقع أن تكون الأجهزة المنزلية في البيت (مثل الثلاجة والمكيف والفرن) متصلة بالإنترنت فبالتالي سيكون لها عنوان، فقد لا يقتنع البعض بالاعتماد على سكان الأرض لتقدير ما إذا كان عدد العناوين كافيا. لذا علينا اللجوء إلى خاصية أخرى للأرض ثابتة وغير متغيرة.. ألا وهي مساحة الأرض. فإذا قسمنا عدد العناوين الممكنة على مساحة الأرض يصبح عدد العناوين للمتر المربع الواحد هو 670 ألف مليار مليار. فأصبح واضحا أن هذا العدد كافي جدا خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان أن غالب مساحات الأرض من بحار وصحاري وغابات غير مأهولة.

ولكن قد يتساءل القارئ الكريم أليس هذا الرقم أكثر بكثير مما نحتاجه للمتر المربع الواحد؟ أو لم يكن الأجدر توفير عدد الخانات الثنائية (بت) المستخدمة؟ ولمعرفة الإجابة علينا أولا أن نعرف الطريقة المستخدمة في توزيع العناوين على مختلف الأجهزة. الطريقة مبينة على أسلوب هرمي مشابه للأسلوب المستخدم في توزيع أرقام الهاتف بحيث تشترك عناوين الأجهزة الموجودة في منطقة جغرافية معينة بعدد محدد من الأرقام في الجهة اليسرى من العنوان، وتشترك عناوين هذه المنطقة الجغرافية مع عناوين المناطق الجغرافية القريبة منها بعدد أقل من الأرقام في الجهة اليسرى من العنوان وهكذا. هذا التوزيع الهرمي يسهل كثيرا عمل الموجهات (Routers) بنقل وتوجيه البيانات من مكان لآخر، إذ تقوم الموجهات في وسط الشبكة بمقارنة الجزء الأيسر من العنوان وتوجهيها إلى الموجهات المعنية بالمناطق الجغرافية والتي تفحص جزء أكبر من العنوان من الجهة اليسرى ثم توجه البيانات إلى موجهات الشبكات الخاصة والتي تفحص كامل العنوان قبل توجيهه إلى الجهاز المعني. وحتى نجيب عن السؤال الذي طرحناه قبل قليل فإن استخدام عناوين أطول لا يضع قيود على توزيع العناوين بين المناطق الجغرافية المختلفة ويسمح بتوزيعها بطريقة هرمية أفضل وهذا بدوره يزيد من كفاءة توجيه البيانات من قبل الموجهات (routers).

إجابة السؤال الثاني: كيف استطعنا التعايش كل هذه الفترة مع عناوين البروتوكول السابق المحدودة؟

كان هناك عدد من الحلول التي استخدمت في طريقة توزيع العناوين، و لعل أبرزها وآخرها استخداما هو ما يعرف ب (NAT) والتي تعني Network Address Translation. وفكرة النات هي قريبة جدا من فكرة سنترال الهاتف لشركة تستخدم رقم هاتف واحد للشركة وتعطي رقم تحويلة لهواتف كل مكتب. ففي النات تتقاسم الأجهزة داخل شبكة خاصة (مثال: شبكة البيت أو مكتب العمل) عنوانا واحدا تتواصل به مع باقي شبكة الإنترنت، على أن يكون لكل واحد منها عنوانا محليا داخل الشبكة بحيث يوضع ما يسمى بNAT Router بين الشبكة الداخلية والخارجية والذي يقوم بمهمة تحويل العناوين الداخية إلى العنوان الخارجي والعكس بطريقة لا يتسع المجال لشرحها هنا.

أما إجابة السؤال الثالث حول ما يقدمه الإصدار الجديد من البروتوكول من تحسينات؟

فإضافة إلى زيادة عدد الخانات الثنائية لعنوان الإنترنت، فهناك الكثير من التحسينات أبرزها أن تصميم رأس حزمة البيانات (Packets Header) أبسط بحيث يحتوي على 7 أجزاء بدلا من 13 جزءا كما هو الحال في الإصدار السابق، وهذا من شأنه تسريع معالجة الحزم داخل أجهزة الشبكة المستخدمة. أيضا من التحسينات إزالة الجزء المخصص لكشف أخطاء إرسال الاتصال (Checksum) والاعتماد على توفر هذه الخدمة في أجزاء أخرى من الشبكة وهذا بدوره يزيد من سرعة معالجة الموجهات (Router) للحزم.

بقي أن أقول إن المنظمات الإقليمية الخمس المسؤولة عن توزيع عناوين الإنترنت على مزودي خدمات الإنترنت في قارات العالم المختلفة قد أعلنت في الثالث من فبراير أنها قد استنفدت جميع عناوين بروتوكول الإنترنت IPv4 التي كانت متوفرة لدة منظمة أيانا. وأيانا هي الجهة الدولية المسؤولة عن توزيع عناوين الإنترنت على هذه المنظمات الإقليمية الخمس. وخلال أشهر معدودة ستنضب العناوين المتوفرة لإصدار IPv4 لدى كل من هذه المنظمات الإقليمية، وحينها لن تستطيع هذه المنظمات توزيع عناوين جديدة لمزودي خدمات الإنترنت. وبناء على هذه الأحداث المتسارعة يتعين على الجهات المسؤولة محليا ودوليا المسارعة باستكمال إجراءات الانتقال لاستخدام إصدار IPv6 حتى تتم الاستفادة من التحسينات التي يقدمها البروتوكول الجديد، والأهم من ذلك حتى لا يتوقف نمو وانتشار استخدام الإنترنت في السعودية.

د. باسل عبدالله السدحان
أستاذ أمن الشبكات بجامعة الملك سعود
عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية لهندسة الاتصالات

محاضرتي في مركز التميز عن اكتشاف شبكات الروبوت من خلال استخدام الطرق الإحصائية

استضافني مركز التميز لأمن المعلومات بجامعة الملك سعود لإلقاء محاضرة بعنوان “اكتشاف شبكات الروبوت من خلال تحليل حركة حزم الشبكات باستخدام الطرق الإحصائية لمعالجة الإشارات”.

يمكن قراءة خبر الاستضافة على موقع المركز ومشاهدة المحاضرة من خلال هذا الرابط

وأود أن أعبر عن شكري لمركز التميز لأمن المعلومات ولمدير المركز د. خالد الغثبر عن حسن التنظيم والاستضافة وأهنئه لما وصل له المركز من إنجازات ومتمنيا للمركز مزيدا من النجاحات.

الدكاترة الجدد ضيقو الأفق

من هذا المتطاول على أصحاب الدال؟ وما يضرهم أنهم حصلوا على درجة الدكتوراة حديثا؟ وهل يزداد حجم الدال التي تسبق أسمائهم مع الزمن حتى يعابوا بأنهم جدد؟!

أما هذا المتطاول فيدعى الدكتور كرايج بارتريدج Craig Partridge وهو أحد الباحثين في شركة بي بي إن في مجال شبكات الحاسب والاتصالات، بل هو العالم الرئيسي في هذا المجال مَثله مَثل جان مخول في مجال تحليل الأصوات، إذ كلامها يحملان لقب Chief Scientist.

أنهى بارتريدج دراسته الجامعية من جامعة هارفارد في تخصص تاريخ القرون الوسطى (تخيلوا!)، وبعد ذلك حصل على درجتي الماجستير والدكتوارة من نفس الجامعة ولكن في تخصص علوم الحاسب. وقد كان بارتريدج ممن ساهم في بناء شبكة آربانت والتي كما أشرت سابقا هي نواة شبكة الإنترنت الحالية. من أبرز أعماله تصميم كيفية توجيه الرسائل الإلكترونية (رسائل الإيميل) إضافة إلى إسهاماته لتصميم وبناء أسرع موجه (راوتر Router) في أواسط التسعينات الميلادية [1].

فبعد هذا التقديم لهذا العَلم والباحث في الشركة، فهل يصح لي أن أعتبر ما قاله تطاولا على معاشر الدكاترة الجدد؟ خاصة وأنه قالها أمام مجموعة نصفها حاصلون على شهادة الدكتوراة.

لنكمل قصتنا حتى نعرف فيمن قيلت هذه المقولة وما المناسبة؟ وبعدها لنرى إن كانت صحيحة أم لا؟

أقامت الوحدة الإدارية التي أعمل بها خلال الأسبوع الثاني من عملي بالشركة محاضرة بعنوان: “كيف تحصل على دعم مادي من داربا؟” [2]. وكان كرايج بارتريدج المتحدث بحكم خبرته في هذا المجال. ومن ضمن ما ذكر في محاضرته أن داربا تعين مسؤولين عن توزيع أموال الدعم المادي ومتابعة المشاريع البحثية مع الجهات البحثية كالجامعات والشركات. ومن ضمن مسؤولياتهم تحديد المجالات البحثية التي تحتاج داربا للاستثمار فيها، وبعدها يعلن عن هذه المجالات ويتم طلب تقديم مقترحات بحثية من الجهات البحثية من خلال ما يعرف بـ (Request for Proposal – RPF)، بحيث يذكر الباحثون في هذا المقترحات  مدى اطلاعهم في الموضوع الذين يريدون البحث فيه، ويشيرون إلى بعض من أبحاثهم السابقة في هذا المجال إضافة لما ينوون القيام به لتقديم حلول للموضوع. كل يسعى للظفر بهذه “المناقصة” إن صح التعبير. وحيث أن ميزانية شركة بي بي إن تقوم بشكل أساسي منذ أيامها الأولى على الدعم المادي الذي يأتي من الحكومة الأمريكية وخاصة داربا، فعادة ما تكون فترة إنهاء تسليم المقترحات للحصول على دعم داربا أكثر توترا من فترة تسليم الأوراق العلمية للمؤتمرات.

بعدها تحدث بارتريدج عن أهمية بناء العلاقات مع هؤلاء الأشخاص المسؤولين عن الدعم المادي في داربا، حيث أن العلاقات الحسنة لها دور أساسي في كسب ثقتهم. وشرح ذلك بأن العلاقة والثقة الحسنة مع أحد هؤلاء المسؤولين ستيسر على الباحث في الشركة إقناعه بأهمية مجال بحثه لداربا، فبالتالي ستكون فرصته أكبر بالحصول على الدعم عند طلب المقترحات البحثية لأنه كان له دور في تشكيل موضوعها.

ثم تحدث كرايج عن طبيعة هؤلاء المسؤولين وأنهما نوعان إما موظفون قدماء في داربا عملوا في مجالات أخرى ثم تعينوا كمسؤولين عن توزيع الدعم المادلي ومتابعة المشاريع البحثية، أو أنهم دكاترة جدد تخرجو حديثا، وبعدها ذكر مقولته التي عنونت بها هذه اليومية “الدكاترة الجدد ضيقو الأفق”.

فها قد عرفتم عن المقولة الآن قائلها، وفي من قيلت، والمناسبة. فالسؤال الآن لماذا قال ذلك؟
وماذا عساه يقول عن طالب للدكتوراة مثلي في ذلك الوقت لم يسبق حرف الدال اسمه بعد؟

شرح بارتريدج مقولته وقال إن طالب الدكتوراة أول ما يتخرج يكون لديه معرفة كبيرة، ولكنها محدودة في مجال بسيط، وأشار بإبهامه وسبابته لصغر هذا المجال، وأضاف أن المتخرج حديثا من مرحلة الدكتوراة يحتاج لعدد من السنوات ليوسع مداركه البحثية وينضج أكثر كباحث. ويسند ما قاله باتريدج ما قيل في الأثر: العلم ثلاثة أشبار، من دخل في الشبر الأول تكبر، ومن دخل في الشبر الثاني تواضع، ومن دخل في الشبر الثالث علم أنه لا يعلم شيئا. هذه المقولة تنبه طلبة العلم سواء الشرعي أو التطبيقي -وطلبة الدكتوراة منهم- بألا يغتروا بسعة اطلاعهم وعلمهم، وذلك أن العلوم واسعة وهي كالبحر الذي لا ساحل له. فلعل مثل هذه المقولات تذكر الدكاترة الجدد، وحتى القدماء ممن هم مازالوا باقين على ما هم عليه منذ أن حصلوا على شهادة الدكتوراة، ناهيك عمن ما زال طالب لها، بإدراك أن رسالة البحث التي بموجبها سبقت الدال أسماءهم ما هي إلا قطرة من هذا البحر، وأن هذا القطرة مهما كانت كبيرة ستجف بمرور سنوات بسيطة، فطلب العلم عملية لا تنتهي، وأهم ما يتعلمه طالب الدكتوراة في دراسته هو آليات البحث نفسها، وكيفية التعلم الذاتي، وفوق هذا كله الكتابة العلمية الصارمة والتي يتحدث فيها الباحث بكل دقة وموضوعية، ويعبر عن بحثه بقدر ما يعلم، ناهيك عن أن ينسب لنفسه شيئا لم يقم به.

[1] يمكن قراءة المزيد عن كرايج بارتريدج من خلال هذا المقابلة: A Day in the Life of … Craig Partridge
[2] سبق الحديث عن داربا، وللتذكير فهي وكالة تتبع وزارة الدفاع الأمريكية وتقوم بدعم كثير من المشارع البحثية في الجامعات وغيرها بميزانية سنوية يبلغ متوسطها 3,2 مليار دولار.

اليومية القادمة: عندما يضيق بك بلدك ويتسع لك غيره من البلدان!

الاستعداد لسوق العمل … التدريب الصيفي (Internship) وسيلة إلى ذلك

نشر هذا المقال في مجلة المبتعث الصادرة عن الملحقية الثقافية السعودية بواشنطن – عدد 188من شهر رجب عام 1430 هـ الموافق 2009/7/1 م

من الغني عن القول أن المبتعث لن يبقى طالبا في الجامعة طوال عمره، ففترة بقائه في الولايات المتحدة مؤقتة وفي النهاية سيعود لوطنه أملا في أن يكون له دور إيجابي في نهضته من خلال المساهمة في بناء مجتمعه وأسرته ومن خلال تلبية متطلبات سوق العمل هناك. ولأن حياة الطالب الجامعية تختلف كثيرا عن حياة الموظف العملية، فإن على الطالب الذي يرغب في المنافسة والحصول على وظيفة مرموقة ألا يكتفي بالاهتمام بمستواه الأكاديمي، وأن يصرف من وقته لتوسيع مداركه وتنمية مهاراته. ولا يتأتى ذلك من خلال الاكتفاء بالمنهج الدراسي، بل على الطالب أن يتجاوز ذلك للمشاركة في الأنشطة المختلفة سواء كانت أنشطة طلابية على مستوى الجامعة أو اجتماعية على مستوى المدينة التي يسكن فيها لما في ذلك من إسهام في تنمية المهارات وصقل المواهب، كما عليه أن يحرص على حضور المناسبات الثقافية في جامعته ومدينته من محاضرات ودورات وندوات ونقاشات والتي لها الأثر الإيجابي في توسيع المدارك واكتساب المهارات والمعلومات. إضافة إلى ذلك فإن على الطالب إن أراد أن تكتمل تجربته العلمية والعملية في الولايات المتحدة أن يسعى أن يطبق ما تعلم من خلال العمل في إحدى المؤسسات أو الشركات بشكل مؤقت وهو ما يعرف بـ (Internship) أو التدريب أو التطبيق، والذي يكون عادة خلال فترة الإجازة الصيفية. وهو ما سأتناوله في مقالي هذا لأبين أهميته وأذكر بعض النصائح في كيفية الحصول عليه.
يمكن تلخيص أهمية التدريب الصيفي بأنه يهيئك لسوق العمل لإعطائك ميزة عند التقديم والبحث على وظيفة بعد التخرج. فالتدريب الصيفي يكسبك خبرة عملية في تخصصك لا تجدها في المقرر الدراسي، لذا فإن المسؤولين عن توظيف المتخرجين حديثا من الجامعات في سوق العمل الأمريكيي في كثير من الأحيان قد لا يميلون إلى الطالب المتخرج بتفوق ولكن من غير خبرة وظيفية ويفضلون عليه الطالب الأقل مستوى ولكن بخبرة وظيفية، وطبعا هذا يعتمد على طبيعة الخبرة الوظيفية والفارق في المستوى الدراسي إضافة إلى عوامل أخرى. ولعل أبرز أسباب هذا التفضيل هو أن من سبق له التدرب فإنه تعلم الفرق بين الدراسة والعمل وتسنى له التنبه للأمور التي تساعده أكثر لأن يكون موظفا ناجحا.
كما أن من فوائد التدرب خلال فترة الصيف في الولايات المتحدة أنها تكسبك الثقة بالنفس وثقة الآخرين بأنك تستطيع المنافسة والعمل في سوق العمل الأمريكي، مما له الأثر الإيجابي بعد تخرجك. إضافة إلى ذلك فمن فوائد العمل في الصيف المردود المادي الذي تحصل عليه من الجهة التي تعمل لديها والذي يعتمد بطبيعة الحال على تخصصك ومستواك الدراسي.
وسأصرف ما تبقى من مساحة في هذا المقال لإعطاء عدد من النصائح -مرتبة على شكل خطوات- بناء على تجربتي الشخصية في الحصول على وظيفة متدرب، وقبل أن أبدأ أريد أن أوضح أنه لا توجد خلطة سحرية للحصول على وظيفة، فالأمر يعتمد على عزيمتك على البحث، وقدراتك في تسويق نفسك والتواصل مع الآخرين وهذين الأمرين يعتمدان على تخصصك ومستوى الجامعة التي تدرس فيها، ومستواك الدراسي ومهاراتك العملية.

الخطوة الأولى: إعداد نسخة أولية من السيرة الذاتية (Resume)
أعد نسخة أولية من سيرتك الذاتية وخصص فيها جزءا لذكر درجاتك العملية، وتحت كل درجة اذكر الجهة الدراسية ومعدلك وفترة الدراسة، وإن كنت ما زلت تدرس فاذكر التاريخ المتوقع لتخرجك، وخصص جزءا آخر لذكر خبراتك العملية السابقة، ولا تكتفِ بذكر اسم الشركة أو الجهة والمدة التي قضيتها هناك فقط، بل اذكر ماذا عملت هناك بشكل مختصر حتى يستطيع من يقرأ سيرتك الذاتية أن يأخذ انطباع جيد عن خبرتك العملية. إن لم تكن لديك خبرة عملية فقد يكون من المناسب العمل داخل أروقة الجامعة أولا من خلال المساعدة في التدريس أو البحث العلمي أو العمل في المكتبة بحيث تستطيع ذكرها لاحقا في سيرتك الذاتية.
اذكر أيضا المشاريع الدراسية التي قمت بها أثناء دراستك، ولا تكتفِ بذكر العنوان ولكن اشرح بشكل بسيط ما قمت به، كأن تقول مثلا عملت مع فريق مكون من ثلاثة طلاب ودرسنا مجموعة من الخوارزميات لدراسة أثر ظاهرة معينة على سلوك معين، ثم طبقنا هذه الخورزميات من خلال كتابة برامج باستخدام الحاسب الآلي وأجرينا مقارنة بين نتائج كل خوارزمية. واذكر أيضا الأبحاث العلمية المنشورة إن كنت من طلبة الدراسات العليا.
من الأمور التي يتعين ذكرها هي مهاراتك مثل ذكر لغات البرمجة التي تعرفها (جافا، سي، …) وبرامج الحاسب الآلي التي تجيدها (ماتلاب، إكسل، باور بوينت، …)، ومن ضمن المهارات التي تستطيع ذكرها هي اللغات التي تتقنها (العربية مثلا) إذ أن بعض الوظائف قد تتطلب أو تعطي أولوية لمن يتحدث لغات معينة. وعند ذكر المهارات فإن من المهم ألا تذكر شيء لا تجيده، ففوق أن ذلك يعد كذبا، فإنه قد يتسبب لك بإحراج بالغ إذا ما عرف الموظف الذي يقابلك أنك لا تجيد هذه المهارة.
يمكنك أيضا ذكر المواد التي أخذتها التي لها علاقة في تخصصك حتى يستطيع من يقرأ سيرتك الذاتية أن يحدد إن كنت مناسبا للوظفية التي يريدها. واذكر كذلك الدورات التدريبية التي حضرتها أو الشهادات التي حصلت عليها.
وإن تبقى لديك بعض المساحة فاسرد أيضا المناصب التي تقلدتها أو الأعمال التي قمت بها أثناء عملك في الأنشطة الطلابية مثل الأندية السعودية أو غيرها على مستوى الجامعة. واذكر أيضا الجوائز والأوسمة التي حصلت عليها.

الخطوة الثانية: احضر المحاضرات التي تقدمها جامعتك في كيفية الحصول على وظيفة
تقيم كثير من الجامعات (عادة ينظمها مكتب المهنة في الجامعة) محاضرات في كيفية الحصول على وظيفة، أبرز هذه المحاضرات هي عن كيفية كتابة السيرة الذاتية، فبعد حضورك لهذه الدورة ستستطيع تنقيح سيرتك بشكل ممتاز، كما أنه في بعض الأحيان يوفر مكتب المهنة في الجامعة خدمة مراجعة السيرة الذاتية في اجتماع فردي بحيث تأخذ ملاحظات الموظف المختص حول سيرتك مباشرة.
هناك أيضا عدد آخر من المحاضرات التي يمكنك حضورها مثل محاضرة في كيفية التصرف عند إجراء المقابلات سواء الهاتفية أو الشخصية، إذ أن المقابلة هي الخطوة التي تتخذها الشركة التي تبحث عن موظف بعد قراءة السيرة الذاتية، حضور هذه المحاضرة سيساعدك على معرفة الأسئلة المتوقعة، وكيف تجيب عليها، وكيف تتعامل مع السؤال إذا كنت لا تعرف إجابته أو لم تكن لديك إجابة جيدة له، إضافة إلى أن هذه المحاضرة تشرح لك كيف تبرز مهاراتك وكيف تترك انطباع جيد لدى الشخص الذي يقابلك. كما أن بعض الجامعات قد توفر فرص لإجراء مقابلات غير حقيقية بغرض الاستعداد لمقابلة حقيقية وهي ما تعرف بـ (Mock Interview).
ولأن البحث على وظيفة في الولايات المتحدة يحتاج إلى جهد وتنظيم، فإن إحدى المحاضرات التي قد تعطى في جامعتك هي عن تنظيم عملية البحث والتقديم على الشركات المختلفة، من مثل تحديد الشركات التي تريدها، وطريقة البحث من خلال مواقع الشركات على الإنترنت، أو من خلال مواقع قوائم الوظائف سواء التي تحتضنها الجامعات أو المواقع التجارية، هذه المحاضرة ستغطي أيضا الأمور التي عليك تجهيزها وطريقة التقديم والتواصل عبر البريد الإلكتروني، وكيف تتابع أوراقك.
بعض الجامعات تقيم محاضرة في الاستفادة القصوى من يوم المهنة الذي تقيمه جامعتك وسيأتي الحديث عن هذا اليوم في الخطوة الرابعة.

الخطوة الثالثة: حدد طبيعة العمل الذي تريده
بعدما جهزت سيرتك الذاتية وصار لديك المهارات المطلوبة للبحث عن وظيفة، فإن أول خطوة تتخذها للبدء في البحث هو تحديد طبيعة الوظيفة الذي تريدها، ومواصفات الجهة التي ترغب العمل بها، والمدة التي تستطيع العمل خلالها وذلك لأن بعض الشركات تشترط العمل لمدة معينة كحد أدنى (مثال: شركة جوجل Google) خلال فترة الصيف، كما أن عليك تحديد إذا كنت تستطيع العمل خارج المدينة التي تقيم فيها، أو أن ظروفك العائلية تحتم عليك العمل في المدينة التي تقيم فيها. وهنا ينبغي إدراك الفرق بين طالب البكالريوس والماجستير والدكتوراة، فطالب البكالريوس يكون أقل تخصصا في مجاله، وعادة يوظف في مجالات لها علاقة بإجراء امتحانات لقياس جودة منتج معين والتي قد تكون مملة لطالب الماجستير إذ ليس فيها عنصر تحدي. أما طالب الماجستير وطالب الدكتوارة كذلك إذا كان في سنواته الأولى فهو بداية حاصل على شهادة جامعية غير أنه أكثر تخصصا في مجاله فبالتالي ستكون طبيعة عمله مختلفة، أما طالب الدكتوراة خاصة عندما يقطع شوط في مجال بحثه فقد تقل الفرص الوظيفية في بعض الشركات ويعتمد توظيفه على طبيعة تخصصه الدقيق، كما أنك لو كنت طالب دكتوراة فإنك قد ترغب العمل في مشروع ذي علاقة مباشرة ببحثك حتى لا يتعطل بحثك وفي نفس الوقت تستفيد من العمل مع آخرين في إحراز نتائج في بحثك، وإن كنت لا تمانع العمل في مجال مختلف عن بحثك. فإن هذا سيزيد من فرص حصولك على عمل في الصيف.
بعدما تعرف إجابات الأسئلة السابقة عليك بتجهيز فقرة بسيطة تذكر فيها خلفتيك العلمية وما هو المجال أو المجالات الذي تريد أن تعمل فيه، وتشرح كيف أن التدريب سيمكنك من إفادة نفسك وإفادة الشركة، بحيث تضع هذه الفقرة كجزء من مراسلاتك للشركات. إضافة إلى ذلك فإنه من المناسب وضع جملة قصيرة في بداية سيرتك الذاتية تلخص هدفك من الوظيفة وهو ما يعرف بـ (Objective)، بحيث عندما تقرأها الشركات المختلفة تعرف ماذا تريد من الوظيفة التي تبحث عنها، واحرص أن تكون دقيقا في توصيف ما تهدف إليه ولكن في نفس الوقت أضف في آخر الجملة أنك لا تمانع العمل في مجالات أخرى حتى تبقي فرصة التوظيف أكبر.

الخطوة الرابعة: احضر يوم المهنة في جامتعك
حضور هذا اليوم قد يكون أفضل فرصة لك للحصول على وظيفة، إذ تحرص الجامعات المتميزة على توظيف طلبتها من خلال جلب موظفين من عدد كبير من الشركات في يوم واحد وتحت سقف واحد. ويعرف هذا اليوم بعدة مسميات منها (Employment Opportunities Conference) أو ما يعرف اختصارا بـ (EOC) وأحيانا يطلق عليه (Technical Opportunities Conference) ويكون للوظائف المرتبطة بالتقنية وأحيانا (Business Opportunities Conference) ويكون مرتبط بالوظائف المرتبطة بإدارة الأعمال، وأحيانا يطلق عليه (Career Day) ويتيح لك هذا اليوم فرصة الحديث المباشر مع أحد موظفي الشركة لمعرفة طبيعة عمل الشركة والمجالات المتوفرة فيها، هذا غير أن بعض الشركات تقيم وبالتزامن مع يوم المهنة (سواء في نفس اليوم أو الأيام التي قبله أو بعده) محاضرات تعريفية عن الشركة إضافة إلى إجراء مقابلات وظيفية للبحث عن موظفين أو متدربين للصيف. ولا يفوتني أن أقول هنا أنك إن كنت تدرس في جامعة متميزة في مجالك، فإن ذلك يقتضي أن الشركات المتميزة تحرص للحضور لجامعتك، بعكس الجامعات الأقل تميزا إذ قد لا تحرص عليها الشركات المتميزة.
ما عليك القيام في هذا اليوم بشكل مختصر هو تحديد الشركات التي تناسبك، ثم تمر على طاولات هذه الشركات وتعطيهم نسخة من سيرتك الذاتية وتقدم نفسك وتقول ما ترغب بذكره خلال 15 ثانية وهو ما يعرف بـ (Pitch) وذلك للحصول على انتباه الشخص بحيث تذكر معلومات أساسية عن نفسك إضافة إلى ما تبحث عنه.
تختلف الشركات اختلافا كبيرا في طريقة التوظيف، فمنها من يجيب على أسئلتك فقط ويأخذ نسخة من سيرتك الذاتية، وغيرها تسعى للتعرف أكثر عليك وإن كانت الوظائف التي لديهم تناسبك، بعضهم قد يعرض عليك إجراء مقابلة أثناء فترة تواجدهم في جامتعك، أو يطلب منك حضور المحاضرة التعريفية التي ستقيمها الشركة في جامعتك. النصيحة القابلة للتطبيق بغض النظر عن طبيعة الشركة هي أن تقوم بتسويق نفسك بناء على طبيعة الشركة التي تقدم عليها، فإذا كانت الشركة تعمل في الأبحاث فتبرز قدراتك البحثية، وإذا كانت الشركة تعمل في كتابة البرامج فتبرز قدراتك البرمجية، أما إذا كانت الشركة متخصصة في مجال معين، فتبرز المواد أو المشاريع التي مرت عليك أثناء دراستك في هذا التخصص.

الخطوة الخامسة: قدم على الشركات التي تريدها من خلال مواقعها مباشرة
إذا لم تحضر بعض الشركات التي ترغب بالتقديم عليها ليوم المهنة، فبإمكانك التقديم عليها مباشرة من خلال مواقعها على الإنترنت، إذ أن كثيرا من الشركات العملاقة توظف في الصيف مئات المتدربين، فتخصص في موقعها صفحة خاصة بالتقديم بحيث تضع سيرتك الذاتية وغيرها من المعلومات التي تطلبها.

الخطوة السادسة: وسع علاقتك المهنية
من أقوى الطرق للحصول على وظيقة هي استخدام علاقاتك المهنية والتي تمكنك من التواصل المباشر مع موظفين يعملون في الشركة التي ترغب العمل بها، وهو ما يعرف بـ (Networking). كيف تستطيع التواصل مع هؤلاء؟ ابدأ بمن تخرج من جامعتك وعمل في تلك الشركة، استشر زملائك في الجامعة كيف حصلوا على وظائف، إذا كان لديك مشرف على بحثك فاسأله، إن كنت تعرف أحد من الإخوة المسلمين أو العرب في الشركة التي تريد العمل بها فتواصل معه. أيضا تقيم بعض الجامعات ما يعرف بـ (Networking Events) والتي يحضرها إليها عدد من طلبة الجامعة الحاليين والسابقين بحيث يستفيد الطلبة الحاليين من الطلبة السابقين في البحث عن وظيفة.

الخطوة السابعة: متابعة الطلبات وانتظار طلب المقابلات
في حالة التقائك بموظف في إحدى الشركات سواء كان ذلك من خلال لقاء عابر أو من خلال مقابلة مطولة فاحرص أن ترسل له إيميل تعبر فيه عن سعادتك بالالتقاء به وتلخص له ما تريد وترفق له نسخة إلكترونية من سيرتك الذاتية وتطلب منه أن يمرر رسالتك لموظفين آخرين في الشركة، وتذكر أنك تتطلع لسماع أخبار طيبة منه.
وفي الختام أنبه على أمرين الأول أهمية الرجوع لمكتب الطلبة الأجانب في جامعتك لمعرفة الإجراءات المطلوبة حتى تتمكن من العمل في الولايات المتحدة تحت نظام (Optional Practical Training) أو ما يعرف اختصارا بـ (OPT). أما الأمر الثاني فإن كل ما ذكر في هذا المقال ما هي إلا وسائل للحصول على وظيفة متدرب صيفي، وما يهم في الأخير هو مستواك الدراسي ومهاراتك العملية وسمعة الجامعة التي تدرس فيها، فقوي نفسك في هذه المجالات ثم وسع علاقاتك، كن مقداما، تعرف على الناس، ولا تخجل.

أسأل الله لك التوفيق في الحصول على وظيفة متدرب …

مع العالم التشيف مرة أخرى

صورة مع جان مخول في مقر شركة BBN

أثناء تدوين أحداث لقائي بجان مخول بحثت عن معلومات إضافية عنه على الإنترنت رغبة في التعرف عليه أكثر. فوقعت على مقابلة أجرتها معه مجلة تحليل الإشارات Signal Processing Magazine الصادرة عن جمعية مهندسي الكهرياء والإلكترونيات IEEE. كان عنوان المقابلة “فهم الكلام: مقابلة مع جان مخول” ونشرت في عدد المجلة الصادر في شهر مايو من عام 2005 م [1] .

أستعرض لكم بعض ما جاء في المقابلة. سأتطرق في البداية لاهتماماته البحثية، وبعدها أقتطف بعضا من نصائحه القيمة المتعلقة بالبحث والدراسة.

أما عن اهتماماته البحثية فهي تتمحور كلها حول تحليل الكلام، وهذا يشمل ترميز الكلمات والألفاظ إلى رموز رقمية، والتعرف على الكلام المنطوق وتحويله إلى كلام مكتوب، والتعرف على هوية المتكلم من خلال صوته، وتركيب وتجميع الكلمات لإنشاء جمل صوتية، وتحسين جودة الكلام المسجل، وتعديل الأصوات، وترجمة الكلام من لغة إلى أخرى، والتعرف على الأحرف المكتوبة.

ومن ضمن المشاريع التي يشرف عليها في الشركة تقليل أخطاء التعرف على الكلام المنطوق خلال المكالمات الهاتفية والبث التلفزيوني، وذلك في ثلاث لغات وهي العربية والإنجليزية والصينية. ومشروع آخر يشرف عليه هو ترجمة (ذات قدرات محدودة) من اللغة الإنجليزية إلى اللغتين العربية والإندونيسية والعكس. ويذكر في إجابته لأحد الأسئلة أن التعرف على الكلام المنطوق وتحويله إلى كلام مكتوب على صعوبته هو أسهل بكثير من ترجمة الكلام من لغة إلى أخرى. ويشرح السبب وراء ذلك أنه خلال التعرف على الكلام المنطوق وتحويله إلى كلام مكتوب، فإن المدخلات (الكلمات المنطوقة) والمخرجات (الكلمات المكتوبة) محددة بشكل جيد، فيمكن بالتالي استخدام نماذج رياضية لتمثيل المدخلات والمخرجات. بينما في الترجمة، فإن المدخلات (الكلمات) محددة بشكل جيد، ولكن المخرجات (ما يعنيه المتحدث بكلامه) غير محددة بشكل جيد لكثرة الاحتمالات الممكنة لما يعنيه الكلام. فهذا السبب يجعل من الترجمة عملية أكثر تعقيدا من التعرف على الكلام.

هذا بعض ما ذكره من اهتماماته البحثية في المقابلة، انتقل الآن إلى ذكر بعضا من نصائحه القيمة المتعلقة بالبحث والدراسة.

يذكر مخول في إحدى إجاباته أن الوظيفة الأساسية لطالب الدكتوارة هو أن يتعلم كيفية القيام بالبحث العلمي. وهذا يشمل تعلم كيفية التعامل مع موضوع البحث، قراءة ما كتب سابقا حول الموضوع، التحدث وأخذ النصح من أناس كثر، التخطيط والقيام بالتجارب أو بإثبات النظريات، ألا يصاب باليأس من كثرة المحاولات الفاشلة بل يستخدم هذه المحاولات ليثب إلى أفكار أفضل ومحاولات جديدة، وفوق هذا كله يتعلم كيف يبقي جانبا من المتعة في بحثه وألا يتخلى بسهولة عن أفكاره.

ويتحدث مخول عن نفسه في إجابة لسؤال آخر ويقول أن أفكاره وأبحاثه التي كتبها كانت نتيجة لقوة دفع ذاتية لديه لفهم الأشياء وشرحها. ويضيف أنه كان يستمتع باكتشاف خصائص رياضية معينة، أو طرح أسئلة على نفسه ثم يتحدى نفسه أن يجد لها حلولا. ويضرب في مقابلته أمثلة لأبحاث لا يوجد بينها وبين عمله في الشركة أدنى علاقة، ولكنه قام بهذه الأبحاث لأنها تلبي فضوله وللمتعة التي يجدها في ذلك. بل أضاف أنه كتب مرة ورقة علمية أثناء إجازة له لمدة شهر في الأرجنتين. فهل عرفتم الآن سر تميزه؟

وكان من ضمن الأسئلة التي طرحت عليه في المقابلة السؤال التالي: يقول الفليسوف والشاعر اللبناني جبران خليل:”الإيمان واحة بالقلب، لا يدرك أبدا بقافلة من التفكير” فهل كان لديك دائما إيمان بعملك وبقدراتك لحل المسائل البحثية؟ وهل كان لديك لحظات شك في حياتك (البحثية)؟

فكان مما أجاب به مخول: كان لدي دائما إيمان بأنه إذا أُعطيت لي الفرصة فإني سأستثمرها. ولكن مرت بي مرة أو مرتين لحظات شك عندما كنت طالبا في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية، وشككت وقتها هل سأنهي دراستي أو لا؟ ويكمل إجابته ويذكر أنه كان يقول لنفسه أن أنهى درجة الماجستير، وهذا أمر ليس بالسيء لابن قرية مثله، مما جعله يرتاح ويعود لدراسته وعمله وبشكل أقوى.

لحظات الشك هذه في اعتقادي الشخصي أنه لم يسلم منها طالب دكتوراة في دراسته، خاصة عندما تنسد في وجهه نتائج بحثه، ولعل ما نقلته أعلاه من عدم اليأس من كثرة المحاولات الفاشلة واستحضار إنهاء درجة الماجستير يكون حافزا لطلبة الدكتوراة لإكمال دراستهم.

ولكن دعوني أشارككم بلحظة يأس مررت بها في دراستي لم أطلع عليها إلا النزر اليسير من المقربين إلي.

كانت في الأسبوع الأول من الدراسة ولكن خلال مرحلة البكالريوس في جامعة الملك سعود، فقد كان أستاذ الرياضيات من باكستان وأستاذ الفيزياء من تركيا، وكلاهما لا يتكلمان العربية، وبعدما اشتريت كتاب مقرر الرياضيات فإني دهشت بكبر حجمه وثقل وزنه حيث لم أرَ في حياتي كتابا أكبر حجما أو أثقل وزنا منه، ولكن ذلك لم يطل كثيرا فقد فاق كتاب مقرر الفيزياء أخاه حجما ووزنا.

عندها شككت في قدرتي على التخرج من كلية الهندسة، ولكني ما لبثت أن تفكرت في عشرات الدفعات التي تخرجت قبلي، فأنا لست أقل منهم شأنا، فكان هذا ما أعطاني الإيمان الكافي بقدراتي ولم أشك بعدها أبدا بقدرتي على التخرج من كلية الهندسة. ولكني لم أكتفِ بهذا الشعور فقط، فقد اتصلت على أحد أقربائي وأصدقائي، وكان قد بدأ الدراسة بالجامعة قبلي بسنتين ونقلت له شعوري، فما كان منه إلا أن شد من أزري وذكر لي بعض النصائح فيما يختص بموضوع الدراسة باللغة الإنجليزية، فجزاه الله كل خير ووفق أبنائه في حياتهم الدراسية والعملية.

[1] رابط المقابلة: http://ieeexplore.ieee.org/iel5/79/30801/01425901.pdf

اليومية القادمة: الدكاترة الجدد ضيقو الأفق

وجبة غداء مع عالم تشيف 3\3

أواصل حديثي عن الدكتور جان مخول …

لم أرد أن يقتصر حديثي مع عالم بهذه المكانة على الأكل والمطاعم اللبنانية، ورغبت بالاستفادة من هذا اللقاء ومعرفة كيف وصل شخص مثل مخول (عربي الولادة والنشأة والدراسة) إلى هذه المكانة العلمية المرموقة. وأسهل طريق إلى معرفة ذلك بطبيعة الحال هو سؤاله مباشرة.

فطرحت عليه السؤال التالي: دكتور جان كطالب دكتوارة شاب أرغب بالاستفادة من خبرتك كدكتور شاب (طبعا ابتسم لأني نسبته لسن الشباب) ثم أكملت سؤالي وقلت: أريد معرفة كيف وصلت إلى ما وصلت إليه؟

فأجاب بأنه بعدما حصل على درجة الدكتوراة من قسم الهندسة الكهربائية في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية عام 1970 م في مجال تحليل الإشارات Signal Processing، عمل في شركة بي بي إن، وهناك بدأ بالبحث في موضوع معين في مجال تحليل الإشارات ونشر ورقة علمية من 4 صفحات في أحد المؤتمرات العلمية. وأكمل حديثه وذكر أن مديره وقتها اطلع على الورقة وقال له: إذا أمكن أن تتوسع قليلا في شرح ما ذكرت في الورقة حتى يسهل فهمها لشخص مثلي غير متخصص في مجال تحليل الإشارات.

فكانت هذه الحادثة بداية لبحث طويل لفهم الموضوع الذي بدأ العمل عليه، وبعد 6 أشهر من البحث والقراءة انتهى به الأمر بتقرير من 237 صفحة في هذه الموضوع! وبعدها وبناء على توصية من أحد الأساتذة الذين قرؤوا التقرير وُجهت له دعوة لكتابة ورقة مطولة عن الموضوع، ونشر هذه الورقة منفردا في إحدى المجلات العلمية المرموقة التابعة لجمعية مهندسي الكهرياء والإلكترونيات IEEE وذلك في عام 1975 م. فكانت هذه الورقة هي ما أعطاه المكانة العلمية في مجاله، وذلك بعد 5 سنوات فقط من تخرجه، وكان عمره وقتها 33 سنة. ثم واصل حديثه وشرح لي كيف أنه صرف كثيرا من وقته خارج أوقات الدوام خلال المساء وعطلة نهاية الأسبوع لإنهاء هذا البحث. ثم تكررت هذه التجربة مرة أخرى في موضوع علمي آخر، ونشر في نفس المجلة ورقة علمية أخرى من 38 صفحة بالتعاون مع باحثين آخرين عام 1985 م، وكانت هذه الورقة ككتاب مصغر في هذا المجال مما عزز من مكانته العملية.

وكان مخول خلال لقائي معه في أكثر من مرة يؤكد على أهمية العمل التطوعي مثل المشاركة في تنظيم المؤتمرات العلمية أو تحرير المجلات العلمية أو الانخراط في إدارة الجمعيات العلمية أو المشاركة في مجالس الأمناء الخاصة بها كعنصر مكمل مهم (وليس مستقل بذاته) لحياة المرء المهنية، وذلك حتى يحصل على تقدير أقرانه، وأضاف أن الأشخاص الوحيدين الذين يمكنهم الاستغناء عن العمل التطوعي والحصول على تقدير أقرانهم من غير العمل التطوعي هم الذين يملكون قدرا هائلا من التميز في مجالهم العملي والمهني وهم قليلون، ويبدو لي أن تواضع مخول يجعله لا يعد نفسه منهم، فبالرغم من مكانته العلمية العالية فقد شارك في كثير من الأعمال التطوعية.

ثم أسدى لي نصيحة بخصوص الأعمال التطوعية وهي الابتعاد عن الأعمال التي تتطلب قدرا كبيرا من الجهد، والتركيز على الأعمال ذات التأثير والتي تناسب اهتمامات المرء وميوله، وضرب مثال على ذلك أنه شارك مرة في اللجنة المنظمة لإحدى المؤتمرات التي أقيمت في بوسطن، ولكنه لم يرد أن يرأس المؤتمر لكثرة أعبائه والأعمال الإدارية التي على الرئيس متابعتها، ولكنه رأس الجانب العلمي (التقني) من المؤتمر، لأنه يناسب ميوله ويركز على الجوانب العلمية من المؤتمر.

بعدما سمعت ما قاله لي عن العمل التطوعي أحسست بأن كلامه ينطبق أيضا على طلبة الجامعات، فالجانب الأساسي هو الدراسة بطبيعة الحال، والأنشطة الطلابية عنصر مكمل مهم. فذكرت له أني كنت أشارك وقتها في عدة أنشطة في جامعتي وكان من ضمنها رئاسة نادي الطلبة السعوديين في بتسبرغ. فذكر لي انخراطه في منظمة الطلبة العرب عندما كان طالبا حتى أنه صار رئيسها وكيف كان لزملاء الدراسة وأنشطة المنظمة دور أساسي في زيادة وعيه السياسي [1]. وتحدث بعدها عن أهمية المشاركة في الأنشطة الطلابية أثناء فترة الدراسة لصقل شخصية الطالب، مع تشديده على أن الأمر الأهم هو الجانب الدراسي وأن الأنشطة الطلابية مكملة لهذا الجانب، وأن الاستغراق فيها وإهمال الجانب الدراسي لا يصب في مصلحة المرء.

بعد هذا الحديث الممتع والغداء الشهي كان علينا الانصراف والعودة للشركة، فركبنا السيارة وواصلنا الحديث أثناء عودتنا للشركة، ولعل أبرز ما ذكره لي أثناء عودتنا للشركة هو ضرورة العمل الجماعي في الشركة بشكل خاص وفي العمل البحثي بشكل عام، ولذلك فإن حسن التعامل مع الآخرين مهم جدا حتى يرغب الناس بالعمل معك، وإلا سيساهم هذا في فشل عملك في الشركة لعزوف الآخرين عن العمل معك، وأن الأشخاص الوحيدين الذين يمكنهم التعامل مع الناس كيفما أرادوا هم من بلغوا مكانة علمية عالية بحيث تجبر الآخرين على العمل معهم حتى لو لم يكن تعاملهم حسنا.

واستمررنا بالحديث حتى وصلنا للشركة … وشكرته عندها على دعوته وحسن مجالسته وعلى نصائحه القيمة.

[1] قامت منظمة الطلبة العرب في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية في عام 2004 م برصد جزء من تاريخ المنظمة وطلبت شهادات الناشطين السابقين في المنظمة، وكان من ضمنهم جان مخول، ويمكن قراءة ما كتبه مخول على هذا الرابط http://web.mit.edu/arab/oldwww/History/makhoul_testimony.html، وكان من ضمن ما ذكره استضافتهم للكاتب والمفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي في أول محاضرة له عن الشرق الأوسط، وكان ذلك في بداية عام 1967 م!

اليومية القادمة: مع العالم التشيف مرة أخرى

وجبة غداء مع عالم تشيف 2\3

أواصل حديثي عن الدكتور جان مخول …

توجهت إلى مكتب الدكتور جان مخول في تمام الساعة الثانية عشرة، وعندما وصلت خرجنا مباشرة إلى سيارته، وقاد السيارة إلى شارع ماستشيوس (ويعرف أيضا بشارع ماس للاختصار) وهو الشارع الرئيسي في مدينة كامبريدج. وأوقف السيارة بجانب الرصيف ووضع بضعة قروش في عداد الموقف، وقطعنا الشارع ودخلنا المطعم اللبناني واسمه Café Barada كافيه بَرَدى [1].

المطعم صغير الحجم ويديره ويعمل فيه أفراد أسرة لبنانية، شأنه شأن كثير من المطاعم في أمريكيا التي تديرها الأسر من مختلف الجنسيات، والتي عادة ما تعرف بجودة طبخها، وبجوها الهادئ البسيط والقريب من جو البيت، وبزبائن يكثرون من التردد عليها. وقد أخبرني مخول أن الأسرة عادت قبل فترة بسيطة لمزاولة العمل في المطعم بعد قضاء أفرادها لإجازتهم السنوية. بعد دخولنا المطعم استقبلنا النادل وسأله مخول بلهجته اللبنانية “وين البابا؟” فذكّره الابن أن والده لا يعمل إلا خلال وقت العشاء، وأخذنا بعدها وأجلسنا على طاولة مطلة على الشارع وأحضر لنا قائمة الطعام.

وبعد اطلاع سريع عليها قال لي مخول أنه يعرف الأكل هنا جيدا واقترح علي أن ألا نطلب مشاوي ونطلب بدلها صحنين مقبلات وصحنين أساسيين ونتشارك فيها فوافقت. فطلب صحن مقبلات مشكلة والذي احتوى على حمص ومجدرة وتبولة وبابا غنوج، أما الصحن الآخر من المقبلات فكان ورق عنب. والصحنين الأساسيين كان الأول منها رز بالفاصوليا ولحم الخروف والآخر رز بالكوسى والجزر والفلفل وحب الحمص.

تحدث مخول في البداية عن حبه وارتياحه لهذا المطعم وعدم احتياجه للطبخ لتردده الدائم عليه سوار بتناول الطعام فيه أو أخذه للبيت. وأنه يعد هذا المطعم أفضل المطاعم اللبنانية في المدينة. فبدا لي واضحا حبه واعتزازه بالأكل اللبناني. ليس هذا فحسب فحبه واعتزازه ببلده لم يتوقف عند الأكل اللبناني، فهو يزور لبنان سنويا، وكان جل حديثه معي باللغة العربية، والاستثناء كان عندما تحدثنا في الجوانب التقنية من أابحاثه والتي عادة ما يكون الحديث عنها باللغة العربية أصعب في الفهم. وعرفت منه أنه لبناني الولادة والنشأة والدراسة بما في ذلك الدارسة الجامعية والتي أنهاها من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1964 م، وبعد ذلك جاء لمواصلة دراسة الماجستير والدكتوراة في أمريكا، وأنهى الدكتوراة من معهد ماسيتشيوسيس للتقنية عام 1970 م، وتوظف في نفس السنة في شركة بي بي إن، مما يعني أنه مضى على عمله في الشركة ذلك الوقت 38 عاما.

فوجدت نفسي بعدما عرفت مكانته العلمية وارتباطه القوي بلبنان رغم مرور أكثر من أربعة عقود على تركه للبنان أطرح عليه سؤالا … سألته: ألم تفكر طوال هذه السنين بالعودة للبنان (أو أي بلد عربي آخر) وإفادة البلد؟

فذكر عدة أسباب أبرزها الأزمات السياسية المتعاقبة على لبنان والتي لم تسمح باستقرار البلد، سبب آخر هو عدم وجود الثقافة البحثية أو المراكز البحثية في المنطقة التي تستفيد من قدراته، إضافة لطول مدة عمله في الشركة الحالية صنعت له مركزا مهنيا يصعب تركه والذهاب للعمل في شركة أخرى، فسألته ماذا عن العمل في الجامعات عندنا في المنطقة؟ فذكر أنه جرب التدريس أثناء عمله في الشركة بتدريسه لإحدى المواد في إحدى جامعات بوسطن ولكنه لم يجد نفسه في التدريس.

فانتهى به الحال أن يبقى في أمريكا شأنه شأن ألوف ممن أثناء دراستهم كانوا ينوون الرجوع لبلدانهم، ولكن ظروف بلدانهم سواء السياسة أو الاقتصادية أو الاجتماعية لم تشجعهم على الرجوع وإفادة البلد.

أكمل معكم عرض لقائي الشيق مع الدكتور جان مخول في اليومية القادمة …

[1] زرت موقع المطعم على الإنترنت وعرفت أن اسم المطعم مشتق من اسم قرية لبنانية تنتسب لها الأسرة التي تملك المطعم واسم القرية حوش بردى.

اليومية القادمة: وجبة غداء مع عالم تشيف 3\3