وجبة غداء مع عالم تشيف 2\3

أواصل حديثي عن الدكتور جان مخول …

توجهت إلى مكتب الدكتور جان مخول في تمام الساعة الثانية عشرة، وعندما وصلت خرجنا مباشرة إلى سيارته، وقاد السيارة إلى شارع ماستشيوس (ويعرف أيضا بشارع ماس للاختصار) وهو الشارع الرئيسي في مدينة كامبريدج. وأوقف السيارة بجانب الرصيف ووضع بضعة قروش في عداد الموقف، وقطعنا الشارع ودخلنا المطعم اللبناني واسمه Café Barada كافيه بَرَدى [1].

المطعم صغير الحجم ويديره ويعمل فيه أفراد أسرة لبنانية، شأنه شأن كثير من المطاعم في أمريكيا التي تديرها الأسر من مختلف الجنسيات، والتي عادة ما تعرف بجودة طبخها، وبجوها الهادئ البسيط والقريب من جو البيت، وبزبائن يكثرون من التردد عليها. وقد أخبرني مخول أن الأسرة عادت قبل فترة بسيطة لمزاولة العمل في المطعم بعد قضاء أفرادها لإجازتهم السنوية. بعد دخولنا المطعم استقبلنا النادل وسأله مخول بلهجته اللبنانية “وين البابا؟” فذكّره الابن أن والده لا يعمل إلا خلال وقت العشاء، وأخذنا بعدها وأجلسنا على طاولة مطلة على الشارع وأحضر لنا قائمة الطعام.

وبعد اطلاع سريع عليها قال لي مخول أنه يعرف الأكل هنا جيدا واقترح علي أن ألا نطلب مشاوي ونطلب بدلها صحنين مقبلات وصحنين أساسيين ونتشارك فيها فوافقت. فطلب صحن مقبلات مشكلة والذي احتوى على حمص ومجدرة وتبولة وبابا غنوج، أما الصحن الآخر من المقبلات فكان ورق عنب. والصحنين الأساسيين كان الأول منها رز بالفاصوليا ولحم الخروف والآخر رز بالكوسى والجزر والفلفل وحب الحمص.

تحدث مخول في البداية عن حبه وارتياحه لهذا المطعم وعدم احتياجه للطبخ لتردده الدائم عليه سوار بتناول الطعام فيه أو أخذه للبيت. وأنه يعد هذا المطعم أفضل المطاعم اللبنانية في المدينة. فبدا لي واضحا حبه واعتزازه بالأكل اللبناني. ليس هذا فحسب فحبه واعتزازه ببلده لم يتوقف عند الأكل اللبناني، فهو يزور لبنان سنويا، وكان جل حديثه معي باللغة العربية، والاستثناء كان عندما تحدثنا في الجوانب التقنية من أابحاثه والتي عادة ما يكون الحديث عنها باللغة العربية أصعب في الفهم. وعرفت منه أنه لبناني الولادة والنشأة والدراسة بما في ذلك الدارسة الجامعية والتي أنهاها من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1964 م، وبعد ذلك جاء لمواصلة دراسة الماجستير والدكتوراة في أمريكا، وأنهى الدكتوراة من معهد ماسيتشيوسيس للتقنية عام 1970 م، وتوظف في نفس السنة في شركة بي بي إن، مما يعني أنه مضى على عمله في الشركة ذلك الوقت 38 عاما.

فوجدت نفسي بعدما عرفت مكانته العلمية وارتباطه القوي بلبنان رغم مرور أكثر من أربعة عقود على تركه للبنان أطرح عليه سؤالا … سألته: ألم تفكر طوال هذه السنين بالعودة للبنان (أو أي بلد عربي آخر) وإفادة البلد؟

فذكر عدة أسباب أبرزها الأزمات السياسية المتعاقبة على لبنان والتي لم تسمح باستقرار البلد، سبب آخر هو عدم وجود الثقافة البحثية أو المراكز البحثية في المنطقة التي تستفيد من قدراته، إضافة لطول مدة عمله في الشركة الحالية صنعت له مركزا مهنيا يصعب تركه والذهاب للعمل في شركة أخرى، فسألته ماذا عن العمل في الجامعات عندنا في المنطقة؟ فذكر أنه جرب التدريس أثناء عمله في الشركة بتدريسه لإحدى المواد في إحدى جامعات بوسطن ولكنه لم يجد نفسه في التدريس.

فانتهى به الحال أن يبقى في أمريكا شأنه شأن ألوف ممن أثناء دراستهم كانوا ينوون الرجوع لبلدانهم، ولكن ظروف بلدانهم سواء السياسة أو الاقتصادية أو الاجتماعية لم تشجعهم على الرجوع وإفادة البلد.

أكمل معكم عرض لقائي الشيق مع الدكتور جان مخول في اليومية القادمة …

[1] زرت موقع المطعم على الإنترنت وعرفت أن اسم المطعم مشتق من اسم قرية لبنانية تنتسب لها الأسرة التي تملك المطعم واسم القرية حوش بردى.

اليومية القادمة: وجبة غداء مع عالم تشيف 3\3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *