الاستعداد لسوق العمل … التدريب الصيفي (Internship) وسيلة إلى ذلك

نشر هذا المقال في مجلة المبتعث الصادرة عن الملحقية الثقافية السعودية بواشنطن – عدد 188من شهر رجب عام 1430 هـ الموافق 2009/7/1 م

من الغني عن القول أن المبتعث لن يبقى طالبا في الجامعة طوال عمره، ففترة بقائه في الولايات المتحدة مؤقتة وفي النهاية سيعود لوطنه أملا في أن يكون له دور إيجابي في نهضته من خلال المساهمة في بناء مجتمعه وأسرته ومن خلال تلبية متطلبات سوق العمل هناك. ولأن حياة الطالب الجامعية تختلف كثيرا عن حياة الموظف العملية، فإن على الطالب الذي يرغب في المنافسة والحصول على وظيفة مرموقة ألا يكتفي بالاهتمام بمستواه الأكاديمي، وأن يصرف من وقته لتوسيع مداركه وتنمية مهاراته. ولا يتأتى ذلك من خلال الاكتفاء بالمنهج الدراسي، بل على الطالب أن يتجاوز ذلك للمشاركة في الأنشطة المختلفة سواء كانت أنشطة طلابية على مستوى الجامعة أو اجتماعية على مستوى المدينة التي يسكن فيها لما في ذلك من إسهام في تنمية المهارات وصقل المواهب، كما عليه أن يحرص على حضور المناسبات الثقافية في جامعته ومدينته من محاضرات ودورات وندوات ونقاشات والتي لها الأثر الإيجابي في توسيع المدارك واكتساب المهارات والمعلومات. إضافة إلى ذلك فإن على الطالب إن أراد أن تكتمل تجربته العلمية والعملية في الولايات المتحدة أن يسعى أن يطبق ما تعلم من خلال العمل في إحدى المؤسسات أو الشركات بشكل مؤقت وهو ما يعرف بـ (Internship) أو التدريب أو التطبيق، والذي يكون عادة خلال فترة الإجازة الصيفية. وهو ما سأتناوله في مقالي هذا لأبين أهميته وأذكر بعض النصائح في كيفية الحصول عليه.
يمكن تلخيص أهمية التدريب الصيفي بأنه يهيئك لسوق العمل لإعطائك ميزة عند التقديم والبحث على وظيفة بعد التخرج. فالتدريب الصيفي يكسبك خبرة عملية في تخصصك لا تجدها في المقرر الدراسي، لذا فإن المسؤولين عن توظيف المتخرجين حديثا من الجامعات في سوق العمل الأمريكيي في كثير من الأحيان قد لا يميلون إلى الطالب المتخرج بتفوق ولكن من غير خبرة وظيفية ويفضلون عليه الطالب الأقل مستوى ولكن بخبرة وظيفية، وطبعا هذا يعتمد على طبيعة الخبرة الوظيفية والفارق في المستوى الدراسي إضافة إلى عوامل أخرى. ولعل أبرز أسباب هذا التفضيل هو أن من سبق له التدرب فإنه تعلم الفرق بين الدراسة والعمل وتسنى له التنبه للأمور التي تساعده أكثر لأن يكون موظفا ناجحا.
كما أن من فوائد التدرب خلال فترة الصيف في الولايات المتحدة أنها تكسبك الثقة بالنفس وثقة الآخرين بأنك تستطيع المنافسة والعمل في سوق العمل الأمريكي، مما له الأثر الإيجابي بعد تخرجك. إضافة إلى ذلك فمن فوائد العمل في الصيف المردود المادي الذي تحصل عليه من الجهة التي تعمل لديها والذي يعتمد بطبيعة الحال على تخصصك ومستواك الدراسي.
وسأصرف ما تبقى من مساحة في هذا المقال لإعطاء عدد من النصائح -مرتبة على شكل خطوات- بناء على تجربتي الشخصية في الحصول على وظيفة متدرب، وقبل أن أبدأ أريد أن أوضح أنه لا توجد خلطة سحرية للحصول على وظيفة، فالأمر يعتمد على عزيمتك على البحث، وقدراتك في تسويق نفسك والتواصل مع الآخرين وهذين الأمرين يعتمدان على تخصصك ومستوى الجامعة التي تدرس فيها، ومستواك الدراسي ومهاراتك العملية.

الخطوة الأولى: إعداد نسخة أولية من السيرة الذاتية (Resume)
أعد نسخة أولية من سيرتك الذاتية وخصص فيها جزءا لذكر درجاتك العملية، وتحت كل درجة اذكر الجهة الدراسية ومعدلك وفترة الدراسة، وإن كنت ما زلت تدرس فاذكر التاريخ المتوقع لتخرجك، وخصص جزءا آخر لذكر خبراتك العملية السابقة، ولا تكتفِ بذكر اسم الشركة أو الجهة والمدة التي قضيتها هناك فقط، بل اذكر ماذا عملت هناك بشكل مختصر حتى يستطيع من يقرأ سيرتك الذاتية أن يأخذ انطباع جيد عن خبرتك العملية. إن لم تكن لديك خبرة عملية فقد يكون من المناسب العمل داخل أروقة الجامعة أولا من خلال المساعدة في التدريس أو البحث العلمي أو العمل في المكتبة بحيث تستطيع ذكرها لاحقا في سيرتك الذاتية.
اذكر أيضا المشاريع الدراسية التي قمت بها أثناء دراستك، ولا تكتفِ بذكر العنوان ولكن اشرح بشكل بسيط ما قمت به، كأن تقول مثلا عملت مع فريق مكون من ثلاثة طلاب ودرسنا مجموعة من الخوارزميات لدراسة أثر ظاهرة معينة على سلوك معين، ثم طبقنا هذه الخورزميات من خلال كتابة برامج باستخدام الحاسب الآلي وأجرينا مقارنة بين نتائج كل خوارزمية. واذكر أيضا الأبحاث العلمية المنشورة إن كنت من طلبة الدراسات العليا.
من الأمور التي يتعين ذكرها هي مهاراتك مثل ذكر لغات البرمجة التي تعرفها (جافا، سي، …) وبرامج الحاسب الآلي التي تجيدها (ماتلاب، إكسل، باور بوينت، …)، ومن ضمن المهارات التي تستطيع ذكرها هي اللغات التي تتقنها (العربية مثلا) إذ أن بعض الوظائف قد تتطلب أو تعطي أولوية لمن يتحدث لغات معينة. وعند ذكر المهارات فإن من المهم ألا تذكر شيء لا تجيده، ففوق أن ذلك يعد كذبا، فإنه قد يتسبب لك بإحراج بالغ إذا ما عرف الموظف الذي يقابلك أنك لا تجيد هذه المهارة.
يمكنك أيضا ذكر المواد التي أخذتها التي لها علاقة في تخصصك حتى يستطيع من يقرأ سيرتك الذاتية أن يحدد إن كنت مناسبا للوظفية التي يريدها. واذكر كذلك الدورات التدريبية التي حضرتها أو الشهادات التي حصلت عليها.
وإن تبقى لديك بعض المساحة فاسرد أيضا المناصب التي تقلدتها أو الأعمال التي قمت بها أثناء عملك في الأنشطة الطلابية مثل الأندية السعودية أو غيرها على مستوى الجامعة. واذكر أيضا الجوائز والأوسمة التي حصلت عليها.

الخطوة الثانية: احضر المحاضرات التي تقدمها جامعتك في كيفية الحصول على وظيفة
تقيم كثير من الجامعات (عادة ينظمها مكتب المهنة في الجامعة) محاضرات في كيفية الحصول على وظيفة، أبرز هذه المحاضرات هي عن كيفية كتابة السيرة الذاتية، فبعد حضورك لهذه الدورة ستستطيع تنقيح سيرتك بشكل ممتاز، كما أنه في بعض الأحيان يوفر مكتب المهنة في الجامعة خدمة مراجعة السيرة الذاتية في اجتماع فردي بحيث تأخذ ملاحظات الموظف المختص حول سيرتك مباشرة.
هناك أيضا عدد آخر من المحاضرات التي يمكنك حضورها مثل محاضرة في كيفية التصرف عند إجراء المقابلات سواء الهاتفية أو الشخصية، إذ أن المقابلة هي الخطوة التي تتخذها الشركة التي تبحث عن موظف بعد قراءة السيرة الذاتية، حضور هذه المحاضرة سيساعدك على معرفة الأسئلة المتوقعة، وكيف تجيب عليها، وكيف تتعامل مع السؤال إذا كنت لا تعرف إجابته أو لم تكن لديك إجابة جيدة له، إضافة إلى أن هذه المحاضرة تشرح لك كيف تبرز مهاراتك وكيف تترك انطباع جيد لدى الشخص الذي يقابلك. كما أن بعض الجامعات قد توفر فرص لإجراء مقابلات غير حقيقية بغرض الاستعداد لمقابلة حقيقية وهي ما تعرف بـ (Mock Interview).
ولأن البحث على وظيفة في الولايات المتحدة يحتاج إلى جهد وتنظيم، فإن إحدى المحاضرات التي قد تعطى في جامعتك هي عن تنظيم عملية البحث والتقديم على الشركات المختلفة، من مثل تحديد الشركات التي تريدها، وطريقة البحث من خلال مواقع الشركات على الإنترنت، أو من خلال مواقع قوائم الوظائف سواء التي تحتضنها الجامعات أو المواقع التجارية، هذه المحاضرة ستغطي أيضا الأمور التي عليك تجهيزها وطريقة التقديم والتواصل عبر البريد الإلكتروني، وكيف تتابع أوراقك.
بعض الجامعات تقيم محاضرة في الاستفادة القصوى من يوم المهنة الذي تقيمه جامعتك وسيأتي الحديث عن هذا اليوم في الخطوة الرابعة.

الخطوة الثالثة: حدد طبيعة العمل الذي تريده
بعدما جهزت سيرتك الذاتية وصار لديك المهارات المطلوبة للبحث عن وظيفة، فإن أول خطوة تتخذها للبدء في البحث هو تحديد طبيعة الوظيفة الذي تريدها، ومواصفات الجهة التي ترغب العمل بها، والمدة التي تستطيع العمل خلالها وذلك لأن بعض الشركات تشترط العمل لمدة معينة كحد أدنى (مثال: شركة جوجل Google) خلال فترة الصيف، كما أن عليك تحديد إذا كنت تستطيع العمل خارج المدينة التي تقيم فيها، أو أن ظروفك العائلية تحتم عليك العمل في المدينة التي تقيم فيها. وهنا ينبغي إدراك الفرق بين طالب البكالريوس والماجستير والدكتوراة، فطالب البكالريوس يكون أقل تخصصا في مجاله، وعادة يوظف في مجالات لها علاقة بإجراء امتحانات لقياس جودة منتج معين والتي قد تكون مملة لطالب الماجستير إذ ليس فيها عنصر تحدي. أما طالب الماجستير وطالب الدكتوارة كذلك إذا كان في سنواته الأولى فهو بداية حاصل على شهادة جامعية غير أنه أكثر تخصصا في مجاله فبالتالي ستكون طبيعة عمله مختلفة، أما طالب الدكتوراة خاصة عندما يقطع شوط في مجال بحثه فقد تقل الفرص الوظيفية في بعض الشركات ويعتمد توظيفه على طبيعة تخصصه الدقيق، كما أنك لو كنت طالب دكتوراة فإنك قد ترغب العمل في مشروع ذي علاقة مباشرة ببحثك حتى لا يتعطل بحثك وفي نفس الوقت تستفيد من العمل مع آخرين في إحراز نتائج في بحثك، وإن كنت لا تمانع العمل في مجال مختلف عن بحثك. فإن هذا سيزيد من فرص حصولك على عمل في الصيف.
بعدما تعرف إجابات الأسئلة السابقة عليك بتجهيز فقرة بسيطة تذكر فيها خلفتيك العلمية وما هو المجال أو المجالات الذي تريد أن تعمل فيه، وتشرح كيف أن التدريب سيمكنك من إفادة نفسك وإفادة الشركة، بحيث تضع هذه الفقرة كجزء من مراسلاتك للشركات. إضافة إلى ذلك فإنه من المناسب وضع جملة قصيرة في بداية سيرتك الذاتية تلخص هدفك من الوظيفة وهو ما يعرف بـ (Objective)، بحيث عندما تقرأها الشركات المختلفة تعرف ماذا تريد من الوظيفة التي تبحث عنها، واحرص أن تكون دقيقا في توصيف ما تهدف إليه ولكن في نفس الوقت أضف في آخر الجملة أنك لا تمانع العمل في مجالات أخرى حتى تبقي فرصة التوظيف أكبر.

الخطوة الرابعة: احضر يوم المهنة في جامتعك
حضور هذا اليوم قد يكون أفضل فرصة لك للحصول على وظيفة، إذ تحرص الجامعات المتميزة على توظيف طلبتها من خلال جلب موظفين من عدد كبير من الشركات في يوم واحد وتحت سقف واحد. ويعرف هذا اليوم بعدة مسميات منها (Employment Opportunities Conference) أو ما يعرف اختصارا بـ (EOC) وأحيانا يطلق عليه (Technical Opportunities Conference) ويكون للوظائف المرتبطة بالتقنية وأحيانا (Business Opportunities Conference) ويكون مرتبط بالوظائف المرتبطة بإدارة الأعمال، وأحيانا يطلق عليه (Career Day) ويتيح لك هذا اليوم فرصة الحديث المباشر مع أحد موظفي الشركة لمعرفة طبيعة عمل الشركة والمجالات المتوفرة فيها، هذا غير أن بعض الشركات تقيم وبالتزامن مع يوم المهنة (سواء في نفس اليوم أو الأيام التي قبله أو بعده) محاضرات تعريفية عن الشركة إضافة إلى إجراء مقابلات وظيفية للبحث عن موظفين أو متدربين للصيف. ولا يفوتني أن أقول هنا أنك إن كنت تدرس في جامعة متميزة في مجالك، فإن ذلك يقتضي أن الشركات المتميزة تحرص للحضور لجامعتك، بعكس الجامعات الأقل تميزا إذ قد لا تحرص عليها الشركات المتميزة.
ما عليك القيام في هذا اليوم بشكل مختصر هو تحديد الشركات التي تناسبك، ثم تمر على طاولات هذه الشركات وتعطيهم نسخة من سيرتك الذاتية وتقدم نفسك وتقول ما ترغب بذكره خلال 15 ثانية وهو ما يعرف بـ (Pitch) وذلك للحصول على انتباه الشخص بحيث تذكر معلومات أساسية عن نفسك إضافة إلى ما تبحث عنه.
تختلف الشركات اختلافا كبيرا في طريقة التوظيف، فمنها من يجيب على أسئلتك فقط ويأخذ نسخة من سيرتك الذاتية، وغيرها تسعى للتعرف أكثر عليك وإن كانت الوظائف التي لديهم تناسبك، بعضهم قد يعرض عليك إجراء مقابلة أثناء فترة تواجدهم في جامتعك، أو يطلب منك حضور المحاضرة التعريفية التي ستقيمها الشركة في جامعتك. النصيحة القابلة للتطبيق بغض النظر عن طبيعة الشركة هي أن تقوم بتسويق نفسك بناء على طبيعة الشركة التي تقدم عليها، فإذا كانت الشركة تعمل في الأبحاث فتبرز قدراتك البحثية، وإذا كانت الشركة تعمل في كتابة البرامج فتبرز قدراتك البرمجية، أما إذا كانت الشركة متخصصة في مجال معين، فتبرز المواد أو المشاريع التي مرت عليك أثناء دراستك في هذا التخصص.

الخطوة الخامسة: قدم على الشركات التي تريدها من خلال مواقعها مباشرة
إذا لم تحضر بعض الشركات التي ترغب بالتقديم عليها ليوم المهنة، فبإمكانك التقديم عليها مباشرة من خلال مواقعها على الإنترنت، إذ أن كثيرا من الشركات العملاقة توظف في الصيف مئات المتدربين، فتخصص في موقعها صفحة خاصة بالتقديم بحيث تضع سيرتك الذاتية وغيرها من المعلومات التي تطلبها.

الخطوة السادسة: وسع علاقتك المهنية
من أقوى الطرق للحصول على وظيقة هي استخدام علاقاتك المهنية والتي تمكنك من التواصل المباشر مع موظفين يعملون في الشركة التي ترغب العمل بها، وهو ما يعرف بـ (Networking). كيف تستطيع التواصل مع هؤلاء؟ ابدأ بمن تخرج من جامعتك وعمل في تلك الشركة، استشر زملائك في الجامعة كيف حصلوا على وظائف، إذا كان لديك مشرف على بحثك فاسأله، إن كنت تعرف أحد من الإخوة المسلمين أو العرب في الشركة التي تريد العمل بها فتواصل معه. أيضا تقيم بعض الجامعات ما يعرف بـ (Networking Events) والتي يحضرها إليها عدد من طلبة الجامعة الحاليين والسابقين بحيث يستفيد الطلبة الحاليين من الطلبة السابقين في البحث عن وظيفة.

الخطوة السابعة: متابعة الطلبات وانتظار طلب المقابلات
في حالة التقائك بموظف في إحدى الشركات سواء كان ذلك من خلال لقاء عابر أو من خلال مقابلة مطولة فاحرص أن ترسل له إيميل تعبر فيه عن سعادتك بالالتقاء به وتلخص له ما تريد وترفق له نسخة إلكترونية من سيرتك الذاتية وتطلب منه أن يمرر رسالتك لموظفين آخرين في الشركة، وتذكر أنك تتطلع لسماع أخبار طيبة منه.
وفي الختام أنبه على أمرين الأول أهمية الرجوع لمكتب الطلبة الأجانب في جامعتك لمعرفة الإجراءات المطلوبة حتى تتمكن من العمل في الولايات المتحدة تحت نظام (Optional Practical Training) أو ما يعرف اختصارا بـ (OPT). أما الأمر الثاني فإن كل ما ذكر في هذا المقال ما هي إلا وسائل للحصول على وظيفة متدرب صيفي، وما يهم في الأخير هو مستواك الدراسي ومهاراتك العملية وسمعة الجامعة التي تدرس فيها، فقوي نفسك في هذه المجالات ثم وسع علاقاتك، كن مقداما، تعرف على الناس، ولا تخجل.

أسأل الله لك التوفيق في الحصول على وظيفة متدرب …

3 ردود على “الاستعداد لسوق العمل … التدريب الصيفي (Internship) وسيلة إلى ذلك”

اترك رداً على abdelssami إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *