BBN … البداية

الأحرف الثلاثة في اسم الشركة تعود للأحرف الأولى من أسماء مؤسسي الشركة وهم ريتشيرد بولت Richard Bolt و ليو بيرانيك Leo Beranek و روبرت نيومن Robert Newman، الأولان كانا أستاذين في معهد ماستشيوس للتقنية (MIT)، والثالث كان طالبا للأول منهما. قبل أن أكمل أود أن أطلب ممن ليس لديه معرفة بالجامعات الأمريكية ألا يستحقر هذه الجامعة من اسمها كونها توصف بمعهد وليس جامعة، فعندنا في السعودية كلمة معهد في الغالب تطلق على مجموعة من الفصول تقوم بتدريس اللغة الإنجليزية أو دورات في استخدام الحاسب الآلي، وإذا كبر المعهد صار يعطي درجة الدبلوم، وأحيانا لا يكون للمعهد شهادات يقدمها إنما يكون متخصصا بإصدار بعض الدراسات والإحصائيات في مجال العلوم الإنسانية، ولا يدور بخلد سعودي لم يدرس بالخارج أن مكانا يطلق عليه معهد يمكن أن يقدم شهادة البكالريوس فضلا عن الماجستير أو الدكتوراة، هذا في السعودية.

أما في أمريكا فالوضع يختلف كثيرا، فالمعهد الذي ينتمي إليه مؤسسي الشركة على سبيل المثال هو الجهة التعليمية التي تصنف باستمرار في المرتبة الأولى على مستوى جامعات أمريكا في مجالات الهندسة وعلوم الحاسب، ويصدر عن المعهد من الكتب والأبحاث العلمية وبراءات الاختراع ورسائل الدكتوراة ما للأسف يصيب بالإحباط عند مقارنة جامعتانا به، والمعهد مشهور للكثيرين ولكن أردت فقط أن أشير له لمن لم يسمع عنه من قبل.

عودة للشركة … فقد تأسست قبل أكثر من 60 سنة وتحديدا في عام 1948 م، وكان المجال الأساسي لعملها وما زال هو إجراء الأبحاث والاستشارات العلمية لمؤسسات أخرى، غالبها جهات حكومية أمريكية، مع وجود بعض شركات القطاع الخاص إضافة إلى حكومات أجنبية. وليس من طبيعة عمل الشركة إنتاج أي منتج مما يفسر عدم شهرتها بين المستهلكين.

وكان أول مشاريع الشركة هو تصميم النظام الصوتي لقاعة اجتماع الجميعة العمومية لمنظمة الأمم المتحدة، وذلك لأن الإشارات الصوتية كانت هي التخصص العلمي لمؤسسي الشركة. توسع عمل الشركة عبر السنين، وهي الآن تعمل في مجالات عدة، ومن ضمن المشاريع التي تعمل عليها تحليل الإشارات الصوتية وتحويل الكلام المنطوق من اللغات المختلفة مثل اللغة العربية إلى كلام مكتوب ومن ثم ترجمته إلى اللغة الإنجليزية،كما أن الشركة هي التي قامت بالتحليل الصوتي لمقتل الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي. ولعل أبرز إسهامات الشركة هو مساهمتها في إنشاء شبكة الإنترنت، وسأتحدث عن هذا الأمر في يومية قادمة.

ويمكن زيارة موقع الشركة على الإنترنت على هذا الرابط www.bbn.com

اليومية القادمة: عماد الدين زنكي

البداية … العمل خلال فترة الصيف

يحرص كثير من الطلبة الدارسين في الولايات المتحدة وغيرها على مختلف جنسياتهم وتخصصاتهم والدرجات العلمية التي يدرسونها على العمل خلال إجازة الصيف في إحدى الشركات أو الجهات المتميزة في مجال تخصصهم، وهو ما يعرف باللغة الإنجليزية بالإنترنشيب Internship. هناك عدة فوائد يجنيها الطالب من هذا العمل أبرزها التعلم والتدرب قبل التخرج مما يعطي للطالب بعد تخرجه فرصة أفضل للمنافسة في سوق العمل خاصة في الجهات التي تدرب فيها. أضف إلى ذلك المردود المادي الذي يأخذه الطالب من تدربه خاصة إذا كان من طلبة الماجستير أو الدكتوراة في إحدى التخصصات التقنية.

وقد تيسر لي خلال في صيف 2008 م والصيف الذي قبله (صيف 2007 م) العمل في شركتين متميزتين. الشركة الأولى التي عملت فيها صيف 2007 م هي شركة سيسكو سيستمز Cisco Systems ، والمعروفة بالدرجة الأولى بتصنيع موجهات (راوترات Routers) الإنترنت التي توجه حركة حزم المعلومات عبر الإنترنت، حتى أني أكاد أجزم أنه لا يوجد أحد منا يرسل أو يستقبل أي معلومة على الإنترنت إلا وتمر على أحد الأجهزة التي صنعتها الشركة. الشركة في السنوات الأخيرة توسعت كثيرا في مجال عملها وذلك عن طريق شراء الكثير من الشركات التقنية الصغيرة النامية التي برزت في مجالات معينة. وقد كان عملي في مقر إحدى هذه الشركات (سابقا) والواقعة في مدينة بورتسماوث Portsmouth (أو بورتسميث حسب اللهجة المحلية) بولاية نيو هماشير  New Hampshire الأمريكية والتي تقع على بعد ساعة بالسيارة شمال مدينة بوسطن Boston المعروفة، والتي تقع بولاية ماسيتشيوسيس Massachusetts العريقة. عملي في الشركة كان في مجال تطوير إصدار من منتج الشركة وهو عبارة عن برنامج يستخدم لإدارة اتصال جهاز الحاسب الآلي بالإنترنت أثناء تنقله بين الشبكات المختلفة السلكية واللاسلكية.

الشركة الثانية التي عملت فيها خلال وقت كتابتي لهذه اليوميات في صيف 2008م هي شركة أقل شهرة ولكن إسهامتها في مجال الإنترنت لا تقل عن شركة سيسكو. الشركة هي بي بي إن تكنولوجيز BBN Technologies، وتقع الشركة في مدينة بوسطن نفسها [1]. طبيعة عملي هي المشاركة ضمن فريق بحثي في أحد مشاريع الشركة المتعلقة بمجال بحث رسالتي للدكتوراة، وسأتطرق لمجال بحثي لاحقا في هذه اليوميات، وكيف يحصل الطالب على عرض للعمل خلال الصيف، إضافة لبعض المواقف والأشخاص الذين واجهتهم في الشركة. ولكن قبل كل هذا أريد أعطي نبذة عن طبيعة عمل الشركة وتاريخها، وسيكون هذا موضوع اليومية القادمة.

[1] الشركة حقيقة تقع في مدينة كامبريدج Cambridge الملاصقة لمدينة بوسطن، شأنها شأن جامعة هارفارد ومعهد ماسيتشيوسيس للتقنية فكلاهما يقعان في كامبريدج ولكن كثيرا ما تنسب لبوسطن كونها أكبر المدن الملاصقة لكامبريدج.

يوميات باحث في مهد الإنترنت – مدخل

السلسلة التي سأقدمها هي عبارة عن يومياتي خلال فترة عمليتدربي في شركة بي بي إن تكنولوجيز BBN Technologies أثناء صيف 2008 م الموافق لعام 1429 هـ، أذكر فيها ما أعتقد أنه سيكون مثار اهتمام لغيري من الطلبة والأصدقاء والزملاء والأقارب.

وتسجيل يومياتي ليست أمرا جديدا بالنسبة لي، فقد كنت أسجلها طيلة فترة دراستي بالمرحلة الثانوية والجامعية، وما زلت أحتفظ بالدفترين الذين كتبت فيهما يومياتي إلى الآن وأطالعه من وقت لآخر وأستذكر ما مضى، وسبب بدئي في تسجيل تلك اليوميات هو تشجيع أستاذ اللغة العربية إبراهيم الهلال لنا للقيام بذلك، وذكرت تفاصيل القصة في أولى يومياتي.

أما عن سبب تسجيل هذه اليوميات فيعود حقيقة لفكرة كانت أكبر منها وهي تسجيل يومياتي كطالب دراسات عليا في أمريكا. وقد بدأت فعلا بتسجيل التواريخ وعناوين اليوميات وكتابة شيء بسيط منها، ولكن لم يتيسر لي الوقت أو الهمة لكتابة باقيها، ولعل الله يبارك في الوقت.

ولأن عملي بهذه الشركة محدود المدة فاستجمعت وقتي وهمتي، والحمد لله وفقت في البدء بإخراجها. وقبل البدء أبين أني أتحدث فيها أحيانا عن بعض مفاهيم تقنية متعلقة بالإنترنت يعرفها الكثيرين من المختصين وغيرهم، ولكن حتى يستطيع الجميع فهمها، فقد صرفت بعض الوقت في مواضع بسيطة لشرحها شرحا بسيطا مختصرا يفي بغرض تقريب المفهوم، ولكن قد يجدها بعض المختصين غير دقيقة، فلذا جرى التنويه.

بقي أن أشير إلى أنه سبق لي وأن نشرت غالب مواضيع هذه السلسلة في الملتقى السعودي في الولايات المتحدة وكندا أثناء فترة عملي في الشركة، وقد لاقت استحسانا من القراء لذا أعيد نشرها الآن في مدونتي بعد المراجعة والتنقيح ليسهل الرجوع لها.