مبشر إنترنتي

فينت سيرف – المصدر: Google site

من ضمن نشاطات الشركة استضافة الباحثين والمتميزين في المجالات العلمية للتحدث عن نشاطاتهم، وعادة ما تكون المحاضرة في غرفة متوسطة الحجم وتلقى خلال وقت الغداء حتى يحضر أكبر عدد من الموظفين بحيث يتناولون غدائهم أثناء سماع المحاضرة، ولا تعقد المحاضرات العامة في غير هذا الوقت لارتباط الموظفين باجتماعات خلال باقي أوقات اليوم.

ولكن الأمر يختلف إذا كان المتحدث هو نائب شركة جوجل ورجل أفنى عمره في تطوير الإنترنت حتى أن مسمى وظيفته في جوجل هو Internet Evangelist والتي يمكن ترجمتها إلى مبشر إنترنتي [1]. فقد أقيمت المحاضرة الساعة الرابعة مساء حتى يمكن استخدام منطقة الكافيتريا كلها لاستضافة الحضور.

أما عن المحاضر فاسمه Vint Cerf فينت سيرف والذي مثل راي توملينسون (مخترع الإيميل) في الستينات من عمره وإن كان أكثر اهتماما بمظهره وبصحته ووزنه، وهو أيضا من ضمن قائمة أعلى خمسين شخصية صاحبة رؤية تقنية والتي نشرتها مجلة بي سي وورلد، وكان ترتيبه السادس عشر.

لأهمية المحاضرة حرصت أن يحضرها أخي ناصر والذي كان يزورني وقتها في بوسطن. تحدث سيرف أمام حشد كبير من موظفي الشركة إضافة إلى معارف موظفي الشركة والذين أتوا من خارج الشركة لحرصهم للاستماع إليه. كان جل حديث سيرف عن تاريخ الإنترنت، وكان يعرض على الحضور صورا لبعض الأجهزة التي استخدمت عندما بدأت الإنترنت، ويشير مثلا أن هذا الجهاز أو هذه الخوارزمية طورها أو ساهم في تطويرها فلان ثم يشير إليه في الحضور (مثل توملينسون) أو يذكر أنه كان يعمل في شركة بي بي إن، واستمر في حديثه المشوق والمضحك في نفس الوقت. وكان مما ذكر أنه مع بداية السنة القادمة (أي 2009) سيكون بإمكان عناوين مواقع الإنترنت أن تنتهي بأي كلمة بعد النقطة (دوت)، كما يمكن أن تكتب بأي لغة.

وللحديث بقية


[1] أود أن أوضح أن لا علاقة للرجل بالتنصير، ولكن القوم يستخدمون المصطلحات الدينية للدلالة على الأهمية، فكثيرا ما يستخدمون كلمة Bible والتي تعني الإنجيل لوصف الكتب ذات الأهمية المرجعية، وحتى وإن كانت تقنية.

اليومية القادمة: أزمة الأربعة مليار

@

راي توملينسون … مخترع الإيميل – المصدر: BBN Technologies site

من منا من لا يستخدم هذه العلامة عند إرساله للرسائل عبر البريد الإلكتروني (الإيميل)؟

هل فكرتم من أتى بهذه العلامة؟ أو من الذي أرسل أول إيميل؟ ومتى كان ذلك؟

الجواب هو شخص يدعى Ray Tomlinson راي توملينسون وذلك في عام 1971م أثناء عمله في شركة بي بي إن [1].

يذكر توملينسون في موقعه أنه أول من أرسل رسالة بين جهازين عبر شبكة آربانت، ويشرح سبب اختياره لعلامة @ وذلك لأنها لا تظهر في أسماء الأشخاص أو الأجهزة فبالتالي تصلح للفصل بين الاسمين، كما أن العلامة نفسها اختصار لكلمة at الإنجليزية والتي من معانيها عند، فيكون المعنى أن اسم المستخدم (الشطر الأول من العنوان) هو عند الجهاز الفلاني (الشطر الثاني من العنوان). ويجيب على أحد الأسئلة التي يتكرر طرحها عليه حول طبيعة استخدام الإيميل عند بدايته، فيقول أن استخداماته لم تكن مختلفة عما هي عليه الآن، باستثناء أنه لم يوجد وقتها رسائل مزعجة وهو ما يعرف بالسبام spam.

بقي أن أضيف أن توملينسون ما زال موظفا في شركة بي بي إن (أثناء الفترة التي عملت فيها بالشركة)، وهو في منتصف الستينات من عمره، وقضى ما يربو على الأربعين عاما في رحاب هذه الشركة، وأراه من وقت لآخر في كافيتريا الشركة. وقد حصل مؤخرا على الترتيب السادس من ضمن قائمة أعلى خمسين شخصية صاحبة رؤية تقنية، والتي نشرتها مجلة PC WORLD بي سي وورلد في شهر مايو من عام 2008 [2]. وكان من ضمن القائمة كذلك Sergey Brin سيرجي برين و Larry Page لاري بيج مؤسسي شركة جوجل في الترتيب الثاني، و Bill Gates بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت في الترتيب الثالث، وعقبال ما يكون لدى واحد من ربعنا موقع في هذه القائمة.

راودني نفس الإحساس وقتها بقيمة المكان الذي أعمل فيه، وكيف أن أحد أكثر التطبيقات استخداما اليوم بدأ من هنا!

[1] بعكس تاريخ انضمام جون زنكي للشركة، فإني لم أكن موجودا في هذا العالم لأشهد إرسال أول إيميل.

[2] يمكن الاطلاع على قائمة أعلى خمسين شخصية صاحبة رؤية تقنية من مجلة بي سي وورلد على هذا الرابط Top 50 Tech Visionaries

اليومية القادمة: مبشر إنترنتي

آربانت … بداية الإنترنت

أعضاء الفريق الذي ساهم في إنشاء آربانت في عام 1969 – المصدر: BBN Technologies site

 

أحد التخصصات الفرعية في مجال الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسب هو شبكات الحاسب. وكثيرا ما تبدأ أول محاضرة في مادة مقدمة الشبكات عن الحديث عن الإنترنت، وتحديدا تاريخ الإنترنت وكيف أنها بدأت بشكبة صغيرة لاستخدامات الجيش الأمريكي، وكان اسم هذه الشبكة ARPANET آربانت. وآربا هي عبارة عن الأحرف الأولى لوكالة المشاريع البحثية المتقدمة (Advanced Research Projects Agency)، والتي تعرف الآن باسم DARPA داربا، بعض إضافة وصف الدفاعية (Defense) على مشاريع الوكالة [1].

وداربا هذه علم على رأسه نار لدى الباحثين في مجالات الهندسة وعلوم الحاسب وغيرها من العلوم، إذ أنها تقوم بدعم كثير من المشارع البحثية في الجامعات الأمريكية وغيرها من المؤسسات البحثية بميزانية سنوية يبلغ متوسطها 3,2 مليار دولار. يقتات من هذه الميزانية عدد كبير من طلبة الدكتوراة لتغطية رسومهم الدراسية إضافة إلى مرتباتهم الشهرية. ونظرا لكثرة المشاريع التي تمولها داربا داخل جامعتي كارنيجي ميلون ونظرا لكون داربا تتبع مباشرة لوزارة الدفاع الأمريكية، فقد ذكر لي أحد زملائي في الجامعة أنه سبق وأن قام بعض منسوبو الجامعة بمظاهرة ضد الجامعة نفسها! وكان السبب في ذلك أن بعض أنشطة وزارة الدفاع في نظرهم تتنافى مع القيم الأخلاقية المتعلقة بالمحافظة على الكرامة الإنسانية.

عودة لآربانت … والتي يفترض أن اسمها مر على كل من درس تاريخ الإنترنت. ولكن ما لا قد تعلمونه هو أن الشركة التي بنت وأنشأت هذه الشبكة للجيش الأمريكي هي شركة بي بي إن!

ذكر ذلك لي جون زنكي نفسه حيث قال أنه بدأ العمل في الشركة قبل 25 عاما عندما كان “صبيا” إذ كان عمره وقتها 25 عاما [2]. كان زملاء زنكي الأقدم منه في العمل قد أنشؤوا فعليا هذه الشبكة في عام 1969 م، ولكن العمل كان ما زال ساريا لتطويرها عندما انضم إلى الشركة، وبدأ بذكر أسماء زملائه واحدا تلوا الواحد والذي علموا على تطوير هذه الشبكة مع إشارته إلى مواقع مكاتبهم في المبنى، فلان هنا في الدور الثاني وعلان هناك في الدور الخامس وهكذا… بل أنه أخرج ظرفا كرتونيا يحتفظ به خلف خزانته، ثم فتحه فإذا هو مخطط الشبكة قبل 25 سنة وكان عمر المخطط واضحا إذا طبع عليه عام 1983! وبدا هذا المخطط وكأنه مخطوطة أثرية عمرها 250 سنة وليس 25 سنة. وبين لي زنكي عن نيته بأن يضع هذه “المخطوطة” في إطار ويعلقها في مكتبه في يوم ما.

أحسست بعد حديثي معه بقيمة المكان الذي أعمل فيه، وكيف أنه كان مهدا لأحد أعظم اختراعات البشرية!



[1] الملفت في النظر أن هذا التغير في اسم الوكالة حصل مرتين، فكانت في البداية آربا وذلك في عام 1958، ثم تغير اسمها إلى داربا في عام 1972، ثم إلى آربا مرة أخرى في عام 1993، ثم إلى داربا مرة أخرى في عام 1996!

[2] سألني زنكي مداعبا إن كنت قد ولدت قبل 25 عاما؟ طبعا عندما تتحدث مع من يفوقك عمرا فلا يوجد داعي لتصغير نفسك خاصة وأنه يعتبر من عمره 25 بمنزلة الصبي، فأجبت مباشرة بأني كنت موجودا في هذا العالم، مما يعني أني شهدت بداية عمله في الشركة.

اليومية القادمة: @

عماد الدين زنكي

صورة تنسب لعماد الدين زنكي

قبل الحديث عن بداية الإنترنت سأتحدث عن أحد من عاصر بداياتها.

خلال الأسبوع الأول من عملي في الشركة مر على مكتبي أحد الباحثين في الشركة وكان ضخم الجثة عريض المنكبين كث اللحية أصلع الرأس بلغ الخمسين من عمره وكان يتكأ على عصا [1].

رحب الرجل بي كوني أحد المتدربين الجدد خلال فترة الصيف وعرف بنفسه قائلاجون زنكي، بعدها عرفت بنفسي … باسل السدحان، ثم انقطع الحديث إذ جائني أحد من أعمل معه في المشروع واعتذرت عن مواصلة الحديث مع زنكي.

جلست بعدها أفكر بهذا الزنكي، فشكله قطعا يصلح أن يكون من المنطقة العربية وما أحاطها، واسم عائلته اسم لعائلة حاكمين وقائدين عسكريين مسلمين من أصل تركي وهما عماد الدين زنكي وابنه نور الدين زنكي. وكانت إمارة هذين الحاكمين في بلاد الشام حيث حاربا الصليبييّن، وكان من ضمن قادة جيوش نورالدين القائد المعروف صلاح الدين الأيوبي والذي استقل فيما بعد بحكمه عنهما في مصر ثم ضم الشام والحجاز وقهر الصليبيين في حطين ثم استرجع القدس منهم، وقصص هؤلاء القادة معروفة وموجودة في كتب التاريخ.

عودة لزنكي المعاصر … فقد زرت مكتبه في اليوم التالي وسلمت عليه، وبعدما فتحت الحديث معه سألته إذا كان أجداده قد قدموا من تركيا، فلم يؤكد أو ينفي المعلومة ولكنه ذكر أن اسمه باللغة الألمانية يعني الرجل ذو الأنف الكبير. تذكرت عندها بيت الشعر الذي درسناه في مادة الأدب في موضوع الهجاء إذ قال الشاعر: وجه المغيرة كله أنف موف عليه كأنه سقف [2]. عودة للموضوع مرة أخرى … فذكرت له أسماء عماد الدين ومحمود الدين زنكي، ولكنه لم يعرفهما، فذكرت أن صلاح الدين كان أحد القادة في جيوشهما، ظنا مني أن صلاح الدين معروف، ولكنه لم يعرفه أيضا، قلت له أرأيت فيلم مملكة السماء والذي عرض قبل سنتين عن صلاح الدين، ولكن كانت إجابته بالنفي، فأخذت على عاتقي إعطاء نبذة عنهم.

بعدها بيوم استضفته في مكتبي لأريه ماذا تقول موسوعة ويكيبيديا [3] عن عماد الدين زنكي. ما لفت نظري هو أن الصفحة ذكرت أن إحدى الأساطير الصليبية تذكر أن أم عماد الدين هي من أصل نمساوي، فذكر زنكي المعاصر أن هذا أصله، فأحسست بأني وجدت الرابط بين الزنكيين، فقلت له أن الإمبراطوريتين التركية والنمساوية كان بينهما حدود مشتركة، فمن الطبيعي أن الناس كان يتنقلون بينهما [4]. أضاف بعدها أن جده كان كاثوليكيا وخبازا يهوديا، بمعنى أن كان يخبز حسب الأعراف اليهودية، وأضاف مما يعني أن أبا جده كان يهوديا، وأن السبب في أن جده كان كاثوليكيا وليس يهوديا يجب أن يكون أن أم جده كانت كاثوليكية.

طلب مني زنكي بعدها إرسال رابط الموضوع من موقع ويكيبديا له حتى يرسلها لأقاربه وقد فعل

من الآن كلما جاء ذكر القائد عماد الدين زنكي فسيتبادر إلى مخيلتي صورة جون زنكي في شكله وهيئته



[1] كان يتكأ على عصا وذلك بسبب عملية أجريت على ركبته حديثا.

[2] أتمنى أن تكون حذفت هذه القصيدة من المنهج إذ أنها تدخل من ضمن السخرية بأشكال الناس.

[3] صفحة عماد الدين زنكي على موقع ويكيبديا en.wikipedia.org/wiki/Zengi، ويجدر أن أذكر أن موسوعة ويكيبيديا تقوم على القارئين لها بحيث يكتب أحدهم معلومات عن موضوع ما، ويقوم باقي القارئين بمراجعته وتنقيحه. وهي منشورة بعدد كبير من اللغات بما في ذلك اللغة العربية. موقع الموسوعة هو www.wikipedia.org

[4] بعد مراجعة صفحة عماد الدين زنكي على موقع ويكيبيديا مرة أخرى، وجدت بعد ذكر هذه الأسطورة ما يفند صحتها.

اليومية القادمة: آربانت … بداية الإنترنت

BBN … البداية

الأحرف الثلاثة في اسم الشركة تعود للأحرف الأولى من أسماء مؤسسي الشركة وهم ريتشيرد بولت Richard Bolt و ليو بيرانيك Leo Beranek و روبرت نيومن Robert Newman، الأولان كانا أستاذين في معهد ماستشيوس للتقنية (MIT)، والثالث كان طالبا للأول منهما. قبل أن أكمل أود أن أطلب ممن ليس لديه معرفة بالجامعات الأمريكية ألا يستحقر هذه الجامعة من اسمها كونها توصف بمعهد وليس جامعة، فعندنا في السعودية كلمة معهد في الغالب تطلق على مجموعة من الفصول تقوم بتدريس اللغة الإنجليزية أو دورات في استخدام الحاسب الآلي، وإذا كبر المعهد صار يعطي درجة الدبلوم، وأحيانا لا يكون للمعهد شهادات يقدمها إنما يكون متخصصا بإصدار بعض الدراسات والإحصائيات في مجال العلوم الإنسانية، ولا يدور بخلد سعودي لم يدرس بالخارج أن مكانا يطلق عليه معهد يمكن أن يقدم شهادة البكالريوس فضلا عن الماجستير أو الدكتوراة، هذا في السعودية.

أما في أمريكا فالوضع يختلف كثيرا، فالمعهد الذي ينتمي إليه مؤسسي الشركة على سبيل المثال هو الجهة التعليمية التي تصنف باستمرار في المرتبة الأولى على مستوى جامعات أمريكا في مجالات الهندسة وعلوم الحاسب، ويصدر عن المعهد من الكتب والأبحاث العلمية وبراءات الاختراع ورسائل الدكتوراة ما للأسف يصيب بالإحباط عند مقارنة جامعتانا به، والمعهد مشهور للكثيرين ولكن أردت فقط أن أشير له لمن لم يسمع عنه من قبل.

عودة للشركة … فقد تأسست قبل أكثر من 60 سنة وتحديدا في عام 1948 م، وكان المجال الأساسي لعملها وما زال هو إجراء الأبحاث والاستشارات العلمية لمؤسسات أخرى، غالبها جهات حكومية أمريكية، مع وجود بعض شركات القطاع الخاص إضافة إلى حكومات أجنبية. وليس من طبيعة عمل الشركة إنتاج أي منتج مما يفسر عدم شهرتها بين المستهلكين.

وكان أول مشاريع الشركة هو تصميم النظام الصوتي لقاعة اجتماع الجميعة العمومية لمنظمة الأمم المتحدة، وذلك لأن الإشارات الصوتية كانت هي التخصص العلمي لمؤسسي الشركة. توسع عمل الشركة عبر السنين، وهي الآن تعمل في مجالات عدة، ومن ضمن المشاريع التي تعمل عليها تحليل الإشارات الصوتية وتحويل الكلام المنطوق من اللغات المختلفة مثل اللغة العربية إلى كلام مكتوب ومن ثم ترجمته إلى اللغة الإنجليزية،كما أن الشركة هي التي قامت بالتحليل الصوتي لمقتل الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي. ولعل أبرز إسهامات الشركة هو مساهمتها في إنشاء شبكة الإنترنت، وسأتحدث عن هذا الأمر في يومية قادمة.

ويمكن زيارة موقع الشركة على الإنترنت على هذا الرابط www.bbn.com

اليومية القادمة: عماد الدين زنكي

البداية … العمل خلال فترة الصيف

يحرص كثير من الطلبة الدارسين في الولايات المتحدة وغيرها على مختلف جنسياتهم وتخصصاتهم والدرجات العلمية التي يدرسونها على العمل خلال إجازة الصيف في إحدى الشركات أو الجهات المتميزة في مجال تخصصهم، وهو ما يعرف باللغة الإنجليزية بالإنترنشيب Internship. هناك عدة فوائد يجنيها الطالب من هذا العمل أبرزها التعلم والتدرب قبل التخرج مما يعطي للطالب بعد تخرجه فرصة أفضل للمنافسة في سوق العمل خاصة في الجهات التي تدرب فيها. أضف إلى ذلك المردود المادي الذي يأخذه الطالب من تدربه خاصة إذا كان من طلبة الماجستير أو الدكتوراة في إحدى التخصصات التقنية.

وقد تيسر لي خلال في صيف 2008 م والصيف الذي قبله (صيف 2007 م) العمل في شركتين متميزتين. الشركة الأولى التي عملت فيها صيف 2007 م هي شركة سيسكو سيستمز Cisco Systems ، والمعروفة بالدرجة الأولى بتصنيع موجهات (راوترات Routers) الإنترنت التي توجه حركة حزم المعلومات عبر الإنترنت، حتى أني أكاد أجزم أنه لا يوجد أحد منا يرسل أو يستقبل أي معلومة على الإنترنت إلا وتمر على أحد الأجهزة التي صنعتها الشركة. الشركة في السنوات الأخيرة توسعت كثيرا في مجال عملها وذلك عن طريق شراء الكثير من الشركات التقنية الصغيرة النامية التي برزت في مجالات معينة. وقد كان عملي في مقر إحدى هذه الشركات (سابقا) والواقعة في مدينة بورتسماوث Portsmouth (أو بورتسميث حسب اللهجة المحلية) بولاية نيو هماشير  New Hampshire الأمريكية والتي تقع على بعد ساعة بالسيارة شمال مدينة بوسطن Boston المعروفة، والتي تقع بولاية ماسيتشيوسيس Massachusetts العريقة. عملي في الشركة كان في مجال تطوير إصدار من منتج الشركة وهو عبارة عن برنامج يستخدم لإدارة اتصال جهاز الحاسب الآلي بالإنترنت أثناء تنقله بين الشبكات المختلفة السلكية واللاسلكية.

الشركة الثانية التي عملت فيها خلال وقت كتابتي لهذه اليوميات في صيف 2008م هي شركة أقل شهرة ولكن إسهامتها في مجال الإنترنت لا تقل عن شركة سيسكو. الشركة هي بي بي إن تكنولوجيز BBN Technologies، وتقع الشركة في مدينة بوسطن نفسها [1]. طبيعة عملي هي المشاركة ضمن فريق بحثي في أحد مشاريع الشركة المتعلقة بمجال بحث رسالتي للدكتوراة، وسأتطرق لمجال بحثي لاحقا في هذه اليوميات، وكيف يحصل الطالب على عرض للعمل خلال الصيف، إضافة لبعض المواقف والأشخاص الذين واجهتهم في الشركة. ولكن قبل كل هذا أريد أعطي نبذة عن طبيعة عمل الشركة وتاريخها، وسيكون هذا موضوع اليومية القادمة.

[1] الشركة حقيقة تقع في مدينة كامبريدج Cambridge الملاصقة لمدينة بوسطن، شأنها شأن جامعة هارفارد ومعهد ماسيتشيوسيس للتقنية فكلاهما يقعان في كامبريدج ولكن كثيرا ما تنسب لبوسطن كونها أكبر المدن الملاصقة لكامبريدج.

يوميات باحث في مهد الإنترنت – مدخل

السلسلة التي سأقدمها هي عبارة عن يومياتي خلال فترة عمليتدربي في شركة بي بي إن تكنولوجيز BBN Technologies أثناء صيف 2008 م الموافق لعام 1429 هـ، أذكر فيها ما أعتقد أنه سيكون مثار اهتمام لغيري من الطلبة والأصدقاء والزملاء والأقارب.

وتسجيل يومياتي ليست أمرا جديدا بالنسبة لي، فقد كنت أسجلها طيلة فترة دراستي بالمرحلة الثانوية والجامعية، وما زلت أحتفظ بالدفترين الذين كتبت فيهما يومياتي إلى الآن وأطالعه من وقت لآخر وأستذكر ما مضى، وسبب بدئي في تسجيل تلك اليوميات هو تشجيع أستاذ اللغة العربية إبراهيم الهلال لنا للقيام بذلك، وذكرت تفاصيل القصة في أولى يومياتي.

أما عن سبب تسجيل هذه اليوميات فيعود حقيقة لفكرة كانت أكبر منها وهي تسجيل يومياتي كطالب دراسات عليا في أمريكا. وقد بدأت فعلا بتسجيل التواريخ وعناوين اليوميات وكتابة شيء بسيط منها، ولكن لم يتيسر لي الوقت أو الهمة لكتابة باقيها، ولعل الله يبارك في الوقت.

ولأن عملي بهذه الشركة محدود المدة فاستجمعت وقتي وهمتي، والحمد لله وفقت في البدء بإخراجها. وقبل البدء أبين أني أتحدث فيها أحيانا عن بعض مفاهيم تقنية متعلقة بالإنترنت يعرفها الكثيرين من المختصين وغيرهم، ولكن حتى يستطيع الجميع فهمها، فقد صرفت بعض الوقت في مواضع بسيطة لشرحها شرحا بسيطا مختصرا يفي بغرض تقريب المفهوم، ولكن قد يجدها بعض المختصين غير دقيقة، فلذا جرى التنويه.

بقي أن أشير إلى أنه سبق لي وأن نشرت غالب مواضيع هذه السلسلة في الملتقى السعودي في الولايات المتحدة وكندا أثناء فترة عملي في الشركة، وقد لاقت استحسانا من القراء لذا أعيد نشرها الآن في مدونتي بعد المراجعة والتنقيح ليسهل الرجوع لها.