مع العالم التشيف مرة أخرى

صورة مع جان مخول في مقر شركة BBN

أثناء تدوين أحداث لقائي بجان مخول بحثت عن معلومات إضافية عنه على الإنترنت رغبة في التعرف عليه أكثر. فوقعت على مقابلة أجرتها معه مجلة تحليل الإشارات Signal Processing Magazine الصادرة عن جمعية مهندسي الكهرياء والإلكترونيات IEEE. كان عنوان المقابلة “فهم الكلام: مقابلة مع جان مخول” ونشرت في عدد المجلة الصادر في شهر مايو من عام 2005 م [1] .

أستعرض لكم بعض ما جاء في المقابلة. سأتطرق في البداية لاهتماماته البحثية، وبعدها أقتطف بعضا من نصائحه القيمة المتعلقة بالبحث والدراسة.

أما عن اهتماماته البحثية فهي تتمحور كلها حول تحليل الكلام، وهذا يشمل ترميز الكلمات والألفاظ إلى رموز رقمية، والتعرف على الكلام المنطوق وتحويله إلى كلام مكتوب، والتعرف على هوية المتكلم من خلال صوته، وتركيب وتجميع الكلمات لإنشاء جمل صوتية، وتحسين جودة الكلام المسجل، وتعديل الأصوات، وترجمة الكلام من لغة إلى أخرى، والتعرف على الأحرف المكتوبة.

ومن ضمن المشاريع التي يشرف عليها في الشركة تقليل أخطاء التعرف على الكلام المنطوق خلال المكالمات الهاتفية والبث التلفزيوني، وذلك في ثلاث لغات وهي العربية والإنجليزية والصينية. ومشروع آخر يشرف عليه هو ترجمة (ذات قدرات محدودة) من اللغة الإنجليزية إلى اللغتين العربية والإندونيسية والعكس. ويذكر في إجابته لأحد الأسئلة أن التعرف على الكلام المنطوق وتحويله إلى كلام مكتوب على صعوبته هو أسهل بكثير من ترجمة الكلام من لغة إلى أخرى. ويشرح السبب وراء ذلك أنه خلال التعرف على الكلام المنطوق وتحويله إلى كلام مكتوب، فإن المدخلات (الكلمات المنطوقة) والمخرجات (الكلمات المكتوبة) محددة بشكل جيد، فيمكن بالتالي استخدام نماذج رياضية لتمثيل المدخلات والمخرجات. بينما في الترجمة، فإن المدخلات (الكلمات) محددة بشكل جيد، ولكن المخرجات (ما يعنيه المتحدث بكلامه) غير محددة بشكل جيد لكثرة الاحتمالات الممكنة لما يعنيه الكلام. فهذا السبب يجعل من الترجمة عملية أكثر تعقيدا من التعرف على الكلام.

هذا بعض ما ذكره من اهتماماته البحثية في المقابلة، انتقل الآن إلى ذكر بعضا من نصائحه القيمة المتعلقة بالبحث والدراسة.

يذكر مخول في إحدى إجاباته أن الوظيفة الأساسية لطالب الدكتوارة هو أن يتعلم كيفية القيام بالبحث العلمي. وهذا يشمل تعلم كيفية التعامل مع موضوع البحث، قراءة ما كتب سابقا حول الموضوع، التحدث وأخذ النصح من أناس كثر، التخطيط والقيام بالتجارب أو بإثبات النظريات، ألا يصاب باليأس من كثرة المحاولات الفاشلة بل يستخدم هذه المحاولات ليثب إلى أفكار أفضل ومحاولات جديدة، وفوق هذا كله يتعلم كيف يبقي جانبا من المتعة في بحثه وألا يتخلى بسهولة عن أفكاره.

ويتحدث مخول عن نفسه في إجابة لسؤال آخر ويقول أن أفكاره وأبحاثه التي كتبها كانت نتيجة لقوة دفع ذاتية لديه لفهم الأشياء وشرحها. ويضيف أنه كان يستمتع باكتشاف خصائص رياضية معينة، أو طرح أسئلة على نفسه ثم يتحدى نفسه أن يجد لها حلولا. ويضرب في مقابلته أمثلة لأبحاث لا يوجد بينها وبين عمله في الشركة أدنى علاقة، ولكنه قام بهذه الأبحاث لأنها تلبي فضوله وللمتعة التي يجدها في ذلك. بل أضاف أنه كتب مرة ورقة علمية أثناء إجازة له لمدة شهر في الأرجنتين. فهل عرفتم الآن سر تميزه؟

وكان من ضمن الأسئلة التي طرحت عليه في المقابلة السؤال التالي: يقول الفليسوف والشاعر اللبناني جبران خليل:”الإيمان واحة بالقلب، لا يدرك أبدا بقافلة من التفكير” فهل كان لديك دائما إيمان بعملك وبقدراتك لحل المسائل البحثية؟ وهل كان لديك لحظات شك في حياتك (البحثية)؟

فكان مما أجاب به مخول: كان لدي دائما إيمان بأنه إذا أُعطيت لي الفرصة فإني سأستثمرها. ولكن مرت بي مرة أو مرتين لحظات شك عندما كنت طالبا في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية، وشككت وقتها هل سأنهي دراستي أو لا؟ ويكمل إجابته ويذكر أنه كان يقول لنفسه أن أنهى درجة الماجستير، وهذا أمر ليس بالسيء لابن قرية مثله، مما جعله يرتاح ويعود لدراسته وعمله وبشكل أقوى.

لحظات الشك هذه في اعتقادي الشخصي أنه لم يسلم منها طالب دكتوراة في دراسته، خاصة عندما تنسد في وجهه نتائج بحثه، ولعل ما نقلته أعلاه من عدم اليأس من كثرة المحاولات الفاشلة واستحضار إنهاء درجة الماجستير يكون حافزا لطلبة الدكتوراة لإكمال دراستهم.

ولكن دعوني أشارككم بلحظة يأس مررت بها في دراستي لم أطلع عليها إلا النزر اليسير من المقربين إلي.

كانت في الأسبوع الأول من الدراسة ولكن خلال مرحلة البكالريوس في جامعة الملك سعود، فقد كان أستاذ الرياضيات من باكستان وأستاذ الفيزياء من تركيا، وكلاهما لا يتكلمان العربية، وبعدما اشتريت كتاب مقرر الرياضيات فإني دهشت بكبر حجمه وثقل وزنه حيث لم أرَ في حياتي كتابا أكبر حجما أو أثقل وزنا منه، ولكن ذلك لم يطل كثيرا فقد فاق كتاب مقرر الفيزياء أخاه حجما ووزنا.

عندها شككت في قدرتي على التخرج من كلية الهندسة، ولكني ما لبثت أن تفكرت في عشرات الدفعات التي تخرجت قبلي، فأنا لست أقل منهم شأنا، فكان هذا ما أعطاني الإيمان الكافي بقدراتي ولم أشك بعدها أبدا بقدرتي على التخرج من كلية الهندسة. ولكني لم أكتفِ بهذا الشعور فقط، فقد اتصلت على أحد أقربائي وأصدقائي، وكان قد بدأ الدراسة بالجامعة قبلي بسنتين ونقلت له شعوري، فما كان منه إلا أن شد من أزري وذكر لي بعض النصائح فيما يختص بموضوع الدراسة باللغة الإنجليزية، فجزاه الله كل خير ووفق أبنائه في حياتهم الدراسية والعملية.

[1] رابط المقابلة: http://ieeexplore.ieee.org/iel5/79/30801/01425901.pdf

اليومية القادمة: الدكاترة الجدد ضيقو الأفق