في ذكرى وفاة أ.د. خليل محمود أبو عبده

نشرت هذه التدوينة كمقال في رسالة الجامعة – العدد 1029 – تاريخ 1431/8/12 هـ الموافق 2010/7/24 م

قبل عامين وفي نفس هذا الفترة من العام (وكنت وقتها ما زلت أدرس في الولايات المتحدة) جاءتي رسالة على جوالي من صديقي وزميلي أيام الكلية الأخ فواز القديمي تنعى وفاة الأستاذ الدكتور خليل محمود أبو عبده. أذكر تماما في أي جزء من بيتي كنت وقت قراءة الرسالة، فقد حزنت كثيرا على وفاة هذا الأستاذ الفاضل والذي كانت وفاته خسارة كبيرة لقسم الهندسة الميكانيكية بجامعة الملك سعود.

معرفتي بالدكتور خليل كانت من خلال تدريسه لي ولزملائي في قسم الهندسة الكهربائية مقرر الديناميكية الحرارية Thermodynamics. وحينها كان طلبة الأقسام المختلفة في كلية الهندسة يدرسون مقررات من بعض أقسام الهندسة الأخرى، وذلك قبل أن تقلل ساعات الخطة الدراسية وتحذف هذه المقررات من الخطة.

لا أرى أن علاقتي بالدكتور خليل تؤهلني لإعطائه حقه في الحديث عنه، وأترك هذا الأمر لمن درس عنده أو عمل معه من أساتذة قسم الهندسة الميكانيكية، فهم الذين عرفوه عن قرب. ولكني أرى أن حديثي عنه هو جزء من وفاء طالب مع أستاذه.

وسأتحدث عن جانبين عُرف بهما هذا العالم رحمه الله وهما الخلق الراقي، والدقة والمثابرة والتميز في تقديم العلم والمعرفة. فمما نقل لي عنه أنه كان رحمه الله يصرف الوقت ويبذل جهدا مضاعفا في إعداد محاضرته وامتحاناته، وكان لا يعطي امتحانا قبل أن يقوم هو بحله حلا كاملا على الورق دون الاكتفاء بمجرد التفكير بطريقة حله في الذهن. وحيث أنني وزملائي عندما كنا طلبة درسنا المقرر بعدما قطعنا شوطا في دراسة مقررات تخصص الهندسة الكهربائية، فإن كثيرا من الطلبة كانوا لا يألفون مقررات خارج تخصصهم، ولكن الدكتور خليل والذي قارب الستين عاما وقتها عرف بخبرته كيف يتصرف مع هذا الموضوع، فعندما دخل علينا في أول محاضرة كان مما ذكره أن البعض قد يرى أن المادة غربية، وما غريب إلا الشيطان! فقد كان يستشهد كثيراً في محاضراته بالأمثال وبالحكم التي تضفي على محاضرته تميزاً نوعياً يتكامل مع قوة المادة العلمية التي كان يلقيها على طلبته.

كان يمازحنا بقوله أن أصل كلمة Quiz عربي وترجع لكويس بمعنى أن Quiz كويس لنا. حتى أن في إحدى المرات امتلأ مدخل مكتبه بعدد من الطلبة في المقرر يريدون أن يسألوه بعض الأسئلة حول محتوى أحد الكويزات الكويسة، وقال لنا وهو يمازحنا عاتبا، ما هذا يا طلبة قسم الهندسة الكهربائية؟! ما رأيكم أن نكتب بجريدة الرياض طلبة الهندسة الكهربائية يتجمهرون عند مكتب أستاذ في قسم الهندسة الميكانيكية؟

كان يحرص على إيصال مفاهيم الديناميكية الحرارية من خلال ربطها بصور ذهنية أو تشبيهها بمفاهيم أخرى يعرفها الطلبة، ومن ذاك:

  • تحدث مرة عن تفاعل معين في المادة وقال أنه مهما زدنا في عوامل هذا التفاعل فلن يتأثر، ثم شبه نفسه بذلك وأنه مهما أكل فإن وزنه لا يزيد، فقد كان نحيلا رحمه الله.
  • كان يشرح لنا أن أحد أساليب إثبات النظريات في الديناميكية الحرارية وهي أن تضع افتراضا وتفترض صحته وتمشي على هذا الافتراض، فإذا اصطدمت بالحائط فهذا يعني أنه خاطئ، فإن لم تصطدم فهو صحيح إلى أن تصطدم بحائط آخر.
  • سألنا مرة كم كثافة الماء؟ فأجبته 1 كجم للمتر المكعب، وكنت وقتها أخلط في هذا الموضوع بين ا جمسم3 أو 1000 كغمم3، فأوقف الشرح … وتغيرت نبرته وبدأ أكثر جدية، وسألنا كم ارتفاع المكتب الذي أمامنا، فقلنا لا نعرف؟ فقال كم تقريبا … فقلنا متر، وقال كم عرضه فقلنا متر، ثم سألنا كم طول نصفه فقلنا متر، ثم علّق وقال تخليوا أننا ملأنا هذه المساحة بالماء، فهل يمكن أن يكون وزنها كيلو جرام واحد فقط؟! فمن بعدها لم أعد أخلط في موضوع كثافة الماء، رغم أن لم أحتج لهذه المعلومة أبدا بعد إنهاء المقرر.
  • تحدث مرة عن انتقال تيار الحرارة من خلال المواد المختلفة، وقارن لنا بين هذا وبين انقال التيار الكهربائي من خلال مواد مختلفة، وشرح لنا مفهوم المقاومة الحرارية وأنها شبيه لمفهوم المقاومة الكهربائية، ثم ختم شرحه إن كان عندكم مقاومة في الكهرباء فنحن عندنا مقاومة في الحرارة أيضا!

درّس الدكتور خليل في الجامعة لأكثر من ربع قرن تخرج على يديه خلالها أجيال تلو أجيال ومات وهو قائم على مهامه في العلم والتعليم، وصلي عليه ودفن يوم الخميس الثالث عشر من شهر شعبان لعام 1429 هـ وكان له من العمر ست وستون عاماً.

رحمك الله يا أستاذي وأسكنك فسيح جناته وجمعنا معك في الفردوس الأعلى … آمين

رابط المقال في رسالة الجامعة: http://rs.ksu.edu.sa/14942.html