ليو بيرانيك – المصدر: LeoBeranek.com
بعدما انتهى رئيس الحالي لشركة بي بي إن من إجابة أسئلة الموظفين أشار بأن لدينا زائرا من نوع خاص. وقد كان هذا الزائر هو أول رئيس للشركة وآخر من تبقى من مؤسسيها على قيد الحياة وهو ليو بيرانيك Leo Beranek. وقد حضر بيرانيك لتوقيع نسخ من كتابه الذي صدر ذلك العام (2008)والذي يحكي فيه مذكرات حياته العلمية والعملية والشخصية. عنوان الكتاب هو ركوب الموجات Riding the Waves، ولكن أرى أنه كان بإمكانه تسمية كتابه بأخذ زمام المبادرة، إذ أن حياته كلها كانت كذلك.
يتطرق بيرانيك -والذي بلغ الأربعة وتسعين عاما وقتها!- في كتابه إلى حياته من نشأته في ولاية أيوا الريفية مرورا بدراسته للدكتوارة في جامعة هارفارد وعمله فيها ثم في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية، ثم مشاركته في تأسيس الشركة، وماذا عمل بعد تركه للشركة، ولا يغفل بطبيعة الحال مؤلفاته وإنجازاته العلمية والعملية.
وسأستعرض هنا جزء بسيطا من حياة هذا العالم الفذ …
ولد بيرانيك عام 1914م، وحصل على شهادة البكالريوس من إحدى الكليات في ولايته أيوا في عام 1936 م، وحصل بعدها بأربع سنوات على شهادة الدكتوراة من جامعة هارفارد المعروفة. وأثناء فترة الحرب العالمية الثانية رأس مختبر الصوتيات الكهربائية في جامعة هارفارد، وقد ساهم المختبر في تصميم أنظمة الاتصالات العسكرية أثناء الحرب. بعدها انتقل للعمل في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية كأستاذ في مجال هندسة الاتصالات بين عامي 1947 و1958م وكان وقتها المدير الفني لمختبر الصوتيات بالمعهد. أثناء عمله في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية أسس هو وريتشارد بولت وتشارلز نيومين شركة بي بي إن عام 1948م كما أسلفت الذكر في بداية يومياتي. وفوق ذلك كان أول رئيس للشركة وذلك بين عامي 1952 و 1971 م، وخلال سنواته الأخيرة في الشركة أنشأ فريق في الشركة شبكة آربانت والتي كما أشرت سابقا هي نواة شبكة الإنترنت الحالية.
تخصص بيرانيك في تصميم صالات الأوبرا والفرق الموسيقية، حتى أنه زار أكثر من 100 صالة، وألف عدة مؤلفات في هذا المجال نشر آخرها يا سادة عندما أكمل العقد التاسع من عمره وذلك في عام 2004 م!
وقد حصل قبل نشره لهذا الكتاب بعام واحد على الوسام الوطني (الأمريكي) الرئاسي للعلوم، والذي قلده إياه الرئيس الأمريكي جورج بوش وذلك في عام 2003 م، ويعتبر هذا الوسام أعلى الجوائز العديدة التي حصل عليها في حياته العلمية والعملية.
ولم تتوقف نجاحات بيرانيك عند الجوانب العلمية، فبعد تركه لشركة بي بي إن اشترى إحدى محطات تلفزيون بوسطن المحلية وأدارها وأصبحت من أنجح قنوات أمريكا، وباعها عام 1982 م بأغلى الأثمان والذي لم تصل له قيمة أي محطة تلفزيونية في ذلك الوقت.
فهذا جانب من حياة رجل قضى ما يربو السبعين عاما في حياته العملية، وتسنى له تدوينها في مذكراته بعنوان ركوب الموجات، وكم هو جميل هذا العنوان! فهو يشير إلى مجاله العلمي في الصوتيات والموجات الكهربائية، ويشير كذلك إلى تأقلمه مع ما تحمله الحياة من موجات من خلال ركوبها بدلا من الغرق أمامها.
عودة لخطاب الرئيس الحالي للشركة، فبعد أن انتهى من خطابه، قمت متجها إلى الرئيس الأول للشركة في الطرف الآخر من القاعة حتى أحصل على توقعيه على النسخة التي اشتريتها من كتابه. أثناء توجهي إليه وانتظار دوري حتى يأتي، جلست أتفكر بالرجل الذي سأقابله، وكيف كأنني سأقابل شخصا من أولئك العلماء الذي خلدت كتب الرياضيات والفيزياء ذكرهم، أو أولئك الذي ما فتئ المسلسل الكرتوني “اسألوا لبيبة” والذي كنت أتابعه أيام طفولتي بالحديث عنهم [1]، وجلست أفكر هل أنا أقابل عالما جاءنا من الماضي، أم أنني عدت بآلة الزمن إلى الماضي لمقابلته. توقف تفكيري عندما جائني الدور وقابلت الرجل والذي كان على قدر عالي جدا من الصحة بالنسبة لمن هو في عمره. فذكرت له سعادتي بالالتقاء به وأعطيته الكتاب وكتب عليه بخط يده:
إلى: باسل
أطيب التمنيات
ليو بيرانيك
يوليو 23، 2008
وانصرفت مدركا أنني وإياه لسنا من الماضي …
[1] “اسألوا لبيبة” مسلسل كرتوني ياباني مدبلج إلى العربية كان يعرض على القناة الأولى في التلفزيون السعودي أثناء فترة الثمانينيات الميلادية. ولبيبة هذا عبارة عن كائن خيالي صغير الحجم يخرج من جهاز الكمبيوتر تشبه الإنسان في شكلها غير أن يديها هما طرفا شعرها واللتان تستخدمهما في الطيران. وفي كل حلقة تحكي لطفلين (أخ وأخته) سيرة أحد العلماء أو المكتشفين وأثره على الحياة. ولا أعلم أن المسلسل قد أعيد بثه بعد ذلك رغم القيمة العلمية التي يحملها بأسلوب مشوق.
اليومية القادمة: وجبة غداء مع عالم تشيف 1\3