مع العالم التشيف مرة أخرى

صورة مع جان مخول في مقر شركة BBN

أثناء تدوين أحداث لقائي بجان مخول بحثت عن معلومات إضافية عنه على الإنترنت رغبة في التعرف عليه أكثر. فوقعت على مقابلة أجرتها معه مجلة تحليل الإشارات Signal Processing Magazine الصادرة عن جمعية مهندسي الكهرياء والإلكترونيات IEEE. كان عنوان المقابلة “فهم الكلام: مقابلة مع جان مخول” ونشرت في عدد المجلة الصادر في شهر مايو من عام 2005 م [1] .

أستعرض لكم بعض ما جاء في المقابلة. سأتطرق في البداية لاهتماماته البحثية، وبعدها أقتطف بعضا من نصائحه القيمة المتعلقة بالبحث والدراسة.

أما عن اهتماماته البحثية فهي تتمحور كلها حول تحليل الكلام، وهذا يشمل ترميز الكلمات والألفاظ إلى رموز رقمية، والتعرف على الكلام المنطوق وتحويله إلى كلام مكتوب، والتعرف على هوية المتكلم من خلال صوته، وتركيب وتجميع الكلمات لإنشاء جمل صوتية، وتحسين جودة الكلام المسجل، وتعديل الأصوات، وترجمة الكلام من لغة إلى أخرى، والتعرف على الأحرف المكتوبة.

ومن ضمن المشاريع التي يشرف عليها في الشركة تقليل أخطاء التعرف على الكلام المنطوق خلال المكالمات الهاتفية والبث التلفزيوني، وذلك في ثلاث لغات وهي العربية والإنجليزية والصينية. ومشروع آخر يشرف عليه هو ترجمة (ذات قدرات محدودة) من اللغة الإنجليزية إلى اللغتين العربية والإندونيسية والعكس. ويذكر في إجابته لأحد الأسئلة أن التعرف على الكلام المنطوق وتحويله إلى كلام مكتوب على صعوبته هو أسهل بكثير من ترجمة الكلام من لغة إلى أخرى. ويشرح السبب وراء ذلك أنه خلال التعرف على الكلام المنطوق وتحويله إلى كلام مكتوب، فإن المدخلات (الكلمات المنطوقة) والمخرجات (الكلمات المكتوبة) محددة بشكل جيد، فيمكن بالتالي استخدام نماذج رياضية لتمثيل المدخلات والمخرجات. بينما في الترجمة، فإن المدخلات (الكلمات) محددة بشكل جيد، ولكن المخرجات (ما يعنيه المتحدث بكلامه) غير محددة بشكل جيد لكثرة الاحتمالات الممكنة لما يعنيه الكلام. فهذا السبب يجعل من الترجمة عملية أكثر تعقيدا من التعرف على الكلام.

هذا بعض ما ذكره من اهتماماته البحثية في المقابلة، انتقل الآن إلى ذكر بعضا من نصائحه القيمة المتعلقة بالبحث والدراسة.

يذكر مخول في إحدى إجاباته أن الوظيفة الأساسية لطالب الدكتوارة هو أن يتعلم كيفية القيام بالبحث العلمي. وهذا يشمل تعلم كيفية التعامل مع موضوع البحث، قراءة ما كتب سابقا حول الموضوع، التحدث وأخذ النصح من أناس كثر، التخطيط والقيام بالتجارب أو بإثبات النظريات، ألا يصاب باليأس من كثرة المحاولات الفاشلة بل يستخدم هذه المحاولات ليثب إلى أفكار أفضل ومحاولات جديدة، وفوق هذا كله يتعلم كيف يبقي جانبا من المتعة في بحثه وألا يتخلى بسهولة عن أفكاره.

ويتحدث مخول عن نفسه في إجابة لسؤال آخر ويقول أن أفكاره وأبحاثه التي كتبها كانت نتيجة لقوة دفع ذاتية لديه لفهم الأشياء وشرحها. ويضيف أنه كان يستمتع باكتشاف خصائص رياضية معينة، أو طرح أسئلة على نفسه ثم يتحدى نفسه أن يجد لها حلولا. ويضرب في مقابلته أمثلة لأبحاث لا يوجد بينها وبين عمله في الشركة أدنى علاقة، ولكنه قام بهذه الأبحاث لأنها تلبي فضوله وللمتعة التي يجدها في ذلك. بل أضاف أنه كتب مرة ورقة علمية أثناء إجازة له لمدة شهر في الأرجنتين. فهل عرفتم الآن سر تميزه؟

وكان من ضمن الأسئلة التي طرحت عليه في المقابلة السؤال التالي: يقول الفليسوف والشاعر اللبناني جبران خليل:”الإيمان واحة بالقلب، لا يدرك أبدا بقافلة من التفكير” فهل كان لديك دائما إيمان بعملك وبقدراتك لحل المسائل البحثية؟ وهل كان لديك لحظات شك في حياتك (البحثية)؟

فكان مما أجاب به مخول: كان لدي دائما إيمان بأنه إذا أُعطيت لي الفرصة فإني سأستثمرها. ولكن مرت بي مرة أو مرتين لحظات شك عندما كنت طالبا في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية، وشككت وقتها هل سأنهي دراستي أو لا؟ ويكمل إجابته ويذكر أنه كان يقول لنفسه أن أنهى درجة الماجستير، وهذا أمر ليس بالسيء لابن قرية مثله، مما جعله يرتاح ويعود لدراسته وعمله وبشكل أقوى.

لحظات الشك هذه في اعتقادي الشخصي أنه لم يسلم منها طالب دكتوراة في دراسته، خاصة عندما تنسد في وجهه نتائج بحثه، ولعل ما نقلته أعلاه من عدم اليأس من كثرة المحاولات الفاشلة واستحضار إنهاء درجة الماجستير يكون حافزا لطلبة الدكتوراة لإكمال دراستهم.

ولكن دعوني أشارككم بلحظة يأس مررت بها في دراستي لم أطلع عليها إلا النزر اليسير من المقربين إلي.

كانت في الأسبوع الأول من الدراسة ولكن خلال مرحلة البكالريوس في جامعة الملك سعود، فقد كان أستاذ الرياضيات من باكستان وأستاذ الفيزياء من تركيا، وكلاهما لا يتكلمان العربية، وبعدما اشتريت كتاب مقرر الرياضيات فإني دهشت بكبر حجمه وثقل وزنه حيث لم أرَ في حياتي كتابا أكبر حجما أو أثقل وزنا منه، ولكن ذلك لم يطل كثيرا فقد فاق كتاب مقرر الفيزياء أخاه حجما ووزنا.

عندها شككت في قدرتي على التخرج من كلية الهندسة، ولكني ما لبثت أن تفكرت في عشرات الدفعات التي تخرجت قبلي، فأنا لست أقل منهم شأنا، فكان هذا ما أعطاني الإيمان الكافي بقدراتي ولم أشك بعدها أبدا بقدرتي على التخرج من كلية الهندسة. ولكني لم أكتفِ بهذا الشعور فقط، فقد اتصلت على أحد أقربائي وأصدقائي، وكان قد بدأ الدراسة بالجامعة قبلي بسنتين ونقلت له شعوري، فما كان منه إلا أن شد من أزري وذكر لي بعض النصائح فيما يختص بموضوع الدراسة باللغة الإنجليزية، فجزاه الله كل خير ووفق أبنائه في حياتهم الدراسية والعملية.

[1] رابط المقابلة: http://ieeexplore.ieee.org/iel5/79/30801/01425901.pdf

اليومية القادمة: الدكاترة الجدد ضيقو الأفق

وجبة غداء مع عالم تشيف 3\3

أواصل حديثي عن الدكتور جان مخول …

لم أرد أن يقتصر حديثي مع عالم بهذه المكانة على الأكل والمطاعم اللبنانية، ورغبت بالاستفادة من هذا اللقاء ومعرفة كيف وصل شخص مثل مخول (عربي الولادة والنشأة والدراسة) إلى هذه المكانة العلمية المرموقة. وأسهل طريق إلى معرفة ذلك بطبيعة الحال هو سؤاله مباشرة.

فطرحت عليه السؤال التالي: دكتور جان كطالب دكتوارة شاب أرغب بالاستفادة من خبرتك كدكتور شاب (طبعا ابتسم لأني نسبته لسن الشباب) ثم أكملت سؤالي وقلت: أريد معرفة كيف وصلت إلى ما وصلت إليه؟

فأجاب بأنه بعدما حصل على درجة الدكتوراة من قسم الهندسة الكهربائية في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية عام 1970 م في مجال تحليل الإشارات Signal Processing، عمل في شركة بي بي إن، وهناك بدأ بالبحث في موضوع معين في مجال تحليل الإشارات ونشر ورقة علمية من 4 صفحات في أحد المؤتمرات العلمية. وأكمل حديثه وذكر أن مديره وقتها اطلع على الورقة وقال له: إذا أمكن أن تتوسع قليلا في شرح ما ذكرت في الورقة حتى يسهل فهمها لشخص مثلي غير متخصص في مجال تحليل الإشارات.

فكانت هذه الحادثة بداية لبحث طويل لفهم الموضوع الذي بدأ العمل عليه، وبعد 6 أشهر من البحث والقراءة انتهى به الأمر بتقرير من 237 صفحة في هذه الموضوع! وبعدها وبناء على توصية من أحد الأساتذة الذين قرؤوا التقرير وُجهت له دعوة لكتابة ورقة مطولة عن الموضوع، ونشر هذه الورقة منفردا في إحدى المجلات العلمية المرموقة التابعة لجمعية مهندسي الكهرياء والإلكترونيات IEEE وذلك في عام 1975 م. فكانت هذه الورقة هي ما أعطاه المكانة العلمية في مجاله، وذلك بعد 5 سنوات فقط من تخرجه، وكان عمره وقتها 33 سنة. ثم واصل حديثه وشرح لي كيف أنه صرف كثيرا من وقته خارج أوقات الدوام خلال المساء وعطلة نهاية الأسبوع لإنهاء هذا البحث. ثم تكررت هذه التجربة مرة أخرى في موضوع علمي آخر، ونشر في نفس المجلة ورقة علمية أخرى من 38 صفحة بالتعاون مع باحثين آخرين عام 1985 م، وكانت هذه الورقة ككتاب مصغر في هذا المجال مما عزز من مكانته العملية.

وكان مخول خلال لقائي معه في أكثر من مرة يؤكد على أهمية العمل التطوعي مثل المشاركة في تنظيم المؤتمرات العلمية أو تحرير المجلات العلمية أو الانخراط في إدارة الجمعيات العلمية أو المشاركة في مجالس الأمناء الخاصة بها كعنصر مكمل مهم (وليس مستقل بذاته) لحياة المرء المهنية، وذلك حتى يحصل على تقدير أقرانه، وأضاف أن الأشخاص الوحيدين الذين يمكنهم الاستغناء عن العمل التطوعي والحصول على تقدير أقرانهم من غير العمل التطوعي هم الذين يملكون قدرا هائلا من التميز في مجالهم العملي والمهني وهم قليلون، ويبدو لي أن تواضع مخول يجعله لا يعد نفسه منهم، فبالرغم من مكانته العلمية العالية فقد شارك في كثير من الأعمال التطوعية.

ثم أسدى لي نصيحة بخصوص الأعمال التطوعية وهي الابتعاد عن الأعمال التي تتطلب قدرا كبيرا من الجهد، والتركيز على الأعمال ذات التأثير والتي تناسب اهتمامات المرء وميوله، وضرب مثال على ذلك أنه شارك مرة في اللجنة المنظمة لإحدى المؤتمرات التي أقيمت في بوسطن، ولكنه لم يرد أن يرأس المؤتمر لكثرة أعبائه والأعمال الإدارية التي على الرئيس متابعتها، ولكنه رأس الجانب العلمي (التقني) من المؤتمر، لأنه يناسب ميوله ويركز على الجوانب العلمية من المؤتمر.

بعدما سمعت ما قاله لي عن العمل التطوعي أحسست بأن كلامه ينطبق أيضا على طلبة الجامعات، فالجانب الأساسي هو الدراسة بطبيعة الحال، والأنشطة الطلابية عنصر مكمل مهم. فذكرت له أني كنت أشارك وقتها في عدة أنشطة في جامعتي وكان من ضمنها رئاسة نادي الطلبة السعوديين في بتسبرغ. فذكر لي انخراطه في منظمة الطلبة العرب عندما كان طالبا حتى أنه صار رئيسها وكيف كان لزملاء الدراسة وأنشطة المنظمة دور أساسي في زيادة وعيه السياسي [1]. وتحدث بعدها عن أهمية المشاركة في الأنشطة الطلابية أثناء فترة الدراسة لصقل شخصية الطالب، مع تشديده على أن الأمر الأهم هو الجانب الدراسي وأن الأنشطة الطلابية مكملة لهذا الجانب، وأن الاستغراق فيها وإهمال الجانب الدراسي لا يصب في مصلحة المرء.

بعد هذا الحديث الممتع والغداء الشهي كان علينا الانصراف والعودة للشركة، فركبنا السيارة وواصلنا الحديث أثناء عودتنا للشركة، ولعل أبرز ما ذكره لي أثناء عودتنا للشركة هو ضرورة العمل الجماعي في الشركة بشكل خاص وفي العمل البحثي بشكل عام، ولذلك فإن حسن التعامل مع الآخرين مهم جدا حتى يرغب الناس بالعمل معك، وإلا سيساهم هذا في فشل عملك في الشركة لعزوف الآخرين عن العمل معك، وأن الأشخاص الوحيدين الذين يمكنهم التعامل مع الناس كيفما أرادوا هم من بلغوا مكانة علمية عالية بحيث تجبر الآخرين على العمل معهم حتى لو لم يكن تعاملهم حسنا.

واستمررنا بالحديث حتى وصلنا للشركة … وشكرته عندها على دعوته وحسن مجالسته وعلى نصائحه القيمة.

[1] قامت منظمة الطلبة العرب في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية في عام 2004 م برصد جزء من تاريخ المنظمة وطلبت شهادات الناشطين السابقين في المنظمة، وكان من ضمنهم جان مخول، ويمكن قراءة ما كتبه مخول على هذا الرابط http://web.mit.edu/arab/oldwww/History/makhoul_testimony.html، وكان من ضمن ما ذكره استضافتهم للكاتب والمفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي في أول محاضرة له عن الشرق الأوسط، وكان ذلك في بداية عام 1967 م!

اليومية القادمة: مع العالم التشيف مرة أخرى

وجبة غداء مع عالم تشيف 2\3

أواصل حديثي عن الدكتور جان مخول …

توجهت إلى مكتب الدكتور جان مخول في تمام الساعة الثانية عشرة، وعندما وصلت خرجنا مباشرة إلى سيارته، وقاد السيارة إلى شارع ماستشيوس (ويعرف أيضا بشارع ماس للاختصار) وهو الشارع الرئيسي في مدينة كامبريدج. وأوقف السيارة بجانب الرصيف ووضع بضعة قروش في عداد الموقف، وقطعنا الشارع ودخلنا المطعم اللبناني واسمه Café Barada كافيه بَرَدى [1].

المطعم صغير الحجم ويديره ويعمل فيه أفراد أسرة لبنانية، شأنه شأن كثير من المطاعم في أمريكيا التي تديرها الأسر من مختلف الجنسيات، والتي عادة ما تعرف بجودة طبخها، وبجوها الهادئ البسيط والقريب من جو البيت، وبزبائن يكثرون من التردد عليها. وقد أخبرني مخول أن الأسرة عادت قبل فترة بسيطة لمزاولة العمل في المطعم بعد قضاء أفرادها لإجازتهم السنوية. بعد دخولنا المطعم استقبلنا النادل وسأله مخول بلهجته اللبنانية “وين البابا؟” فذكّره الابن أن والده لا يعمل إلا خلال وقت العشاء، وأخذنا بعدها وأجلسنا على طاولة مطلة على الشارع وأحضر لنا قائمة الطعام.

وبعد اطلاع سريع عليها قال لي مخول أنه يعرف الأكل هنا جيدا واقترح علي أن ألا نطلب مشاوي ونطلب بدلها صحنين مقبلات وصحنين أساسيين ونتشارك فيها فوافقت. فطلب صحن مقبلات مشكلة والذي احتوى على حمص ومجدرة وتبولة وبابا غنوج، أما الصحن الآخر من المقبلات فكان ورق عنب. والصحنين الأساسيين كان الأول منها رز بالفاصوليا ولحم الخروف والآخر رز بالكوسى والجزر والفلفل وحب الحمص.

تحدث مخول في البداية عن حبه وارتياحه لهذا المطعم وعدم احتياجه للطبخ لتردده الدائم عليه سوار بتناول الطعام فيه أو أخذه للبيت. وأنه يعد هذا المطعم أفضل المطاعم اللبنانية في المدينة. فبدا لي واضحا حبه واعتزازه بالأكل اللبناني. ليس هذا فحسب فحبه واعتزازه ببلده لم يتوقف عند الأكل اللبناني، فهو يزور لبنان سنويا، وكان جل حديثه معي باللغة العربية، والاستثناء كان عندما تحدثنا في الجوانب التقنية من أابحاثه والتي عادة ما يكون الحديث عنها باللغة العربية أصعب في الفهم. وعرفت منه أنه لبناني الولادة والنشأة والدراسة بما في ذلك الدارسة الجامعية والتي أنهاها من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1964 م، وبعد ذلك جاء لمواصلة دراسة الماجستير والدكتوراة في أمريكا، وأنهى الدكتوراة من معهد ماسيتشيوسيس للتقنية عام 1970 م، وتوظف في نفس السنة في شركة بي بي إن، مما يعني أنه مضى على عمله في الشركة ذلك الوقت 38 عاما.

فوجدت نفسي بعدما عرفت مكانته العلمية وارتباطه القوي بلبنان رغم مرور أكثر من أربعة عقود على تركه للبنان أطرح عليه سؤالا … سألته: ألم تفكر طوال هذه السنين بالعودة للبنان (أو أي بلد عربي آخر) وإفادة البلد؟

فذكر عدة أسباب أبرزها الأزمات السياسية المتعاقبة على لبنان والتي لم تسمح باستقرار البلد، سبب آخر هو عدم وجود الثقافة البحثية أو المراكز البحثية في المنطقة التي تستفيد من قدراته، إضافة لطول مدة عمله في الشركة الحالية صنعت له مركزا مهنيا يصعب تركه والذهاب للعمل في شركة أخرى، فسألته ماذا عن العمل في الجامعات عندنا في المنطقة؟ فذكر أنه جرب التدريس أثناء عمله في الشركة بتدريسه لإحدى المواد في إحدى جامعات بوسطن ولكنه لم يجد نفسه في التدريس.

فانتهى به الحال أن يبقى في أمريكا شأنه شأن ألوف ممن أثناء دراستهم كانوا ينوون الرجوع لبلدانهم، ولكن ظروف بلدانهم سواء السياسة أو الاقتصادية أو الاجتماعية لم تشجعهم على الرجوع وإفادة البلد.

أكمل معكم عرض لقائي الشيق مع الدكتور جان مخول في اليومية القادمة …

[1] زرت موقع المطعم على الإنترنت وعرفت أن اسم المطعم مشتق من اسم قرية لبنانية تنتسب لها الأسرة التي تملك المطعم واسم القرية حوش بردى.

اليومية القادمة: وجبة غداء مع عالم تشيف 3\3

وجبة غداء مع عالم تشيف 1\3

جان مخول مع جائزة تحليل الإشارات والكلام التي حصل عليها في عام 2009 – المصدر: BBN Technologies site

 

قبل سفري لبوسطن للعمل في شركة بي بي إن تحدثت مع إثنين من زملائي في الجامعة وهما محمد فاورق من مصر وزياد البواب من لبنان، واللذان سبق للأول منهما العمل في الشركة وللثاني منهما التدرب الصيفي فيها، وذكرت لكل واحد منهما أني وقعت عقد التدرب الصيفي مع الشركة وأني سأبدأ العمل هناك مع بداية الصيف. فكان مما اشتركا به أثناء إسدائهما لنصائحهما لي هو الالتقاء بموظف هناك واسمه جان مخول.

فسألتهما من هو جان مخول؟ فقال كل واحد منهما أنه من لبنان وعالم في مجال تحليل الكلام Speech Processing، وأنه من الموظفين القدماء في الشركة. فقلت خيراً إن شاء الله.

عندما بدأت العمل في الشركة لم أسعَ للالتقاء به وتريثت قليلا حتى استقرت أموري في العمل، وعندها قررت الالتقاء بجان مخول، فاطلعت على دليل موظفي الشركة ووجدت اسمه وعرفت موقع مكتبه. وذهبت لزيارته في مكتبه والذي يقع في مبنى آخر بعيدا عن مكتبي، ولكني لم أجده، وتكرر هذا الأمر أكثر من مرة، وفي كل مرة يكون هو إما في اجتماع أو في مكان آخر من الشركة. وبين محاولات اللقاء به سمعت عنه من موظفين آخرين في الشركة. فتبين لي أنه يحمل لقب Chief Scientist بمعنى عالم قائد.

والحصول على هذا اللقب أمر في غاية الصعوبة ومن النادر أن يحصل أحد على هذا اللقب، إذ أنه مرت أكثر من عشر سنوات عندما حصل آخر موظف على هذا اللقب وذلك لما يتطلبه الحصول على هذا اللقب من أبحاث ونشاطات وتزكيات من داخل وخارج الشركة واجتماعات المسؤولين الكبار في الشركة لمنح المرشح هذا اللقب. ومما رأيت من تعامل الموظفين مع هؤلاء العلماء، فإن مكانة حامل هذا اللقب بالنسبة للشركة تفوق مكانة لقب الأستاذ (البروفوسور) بالنسبة للجامعة. ويكفي لمعرفة علو مكانة صاحب هذا اللقب أنه من بين موظفي الشركة والذي يتجاوز عددهم 700 موظف لا يوجد إلا خمسة موظفين فقط ممن يحملون هذا اللقب، مما يعطي جان مخول مكانة عالية جدا في الشركة.

مما عرفته عنه أيضا أنه فاز بجائزة تحليل الإشارات والكلام من جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات IEEE وذلك “لإسهاماته الريادية في نمذجة الأصوات”. وتعد هذه الجائزة أعلى جوائز الجمعية في مجال تحليل الكلام، وتسلم في مؤتمر الجمعية الدولي السنوي لتحليل السمعيات والكلام والإشارات ICASSP، ولأهمية الحدث أرسل مدير الشركة إيميلا لكافة موظفي الشركة بهذا الخصوص يهنئ فيه جان مخول على حصوله على الجائزة.

فزاد هذا الأمر من حرصي على الالتقاء به …

وزرته بعدها في مكتبه فوجدته. فسلمت عليه وعرف مباشرة أني عربي وسلم علي بالعربية، وبعد ثواني من التحدث معه عرف من لهجتي أنني سعودي. ورغم مكانة الرجل في الشركة وفي مجتمعه العلمي ورغم أنه بسن والدي، إلا أنه كان في غاية التواضع فقد وقف ورحب بي وسألني عن عملي وذكرت له أني هنا خلال فترة الصيف، فأثنى على ذلك وأبدى سروره. بعدها باركت له حصوله على الجائزة …. ثم أسعدني بدعوتي لطعام الغداء وذكر أنه يعرف مطعم لبناني قريب ممتاز، وسجل الموعد في جهازه، واعتذر عن مواصلة الحديث لارتباطه بعمل خارج الشركة، فشكرته وانصرفت.

أثناء حديثي معه لمحت كثرة الأوراق التي علقها على جدار مكتبه، ومن بين هذه الأوراق المعلقة لمحت ورقتين لا لشيء إلا لأنهما كتبتا باللغة العربية. أما الأولى فكتب عليها عبارة التهنئة المشهورة “كل عام وأنتم بخير”، والتي عرفت فيما بعد أن المسلمين وغيرهم في لبنان يستخدمونها للتهنئة. أما الورقة الثانية المعلقة فكانت مقولة اقتبسها من آية قرآنية كريمة تتردد على ألسنة الناس كمضرب المثل وهي قول الله تعالى {إن الله مع الصابرين}، ولكن الدكتور مخول أضاف على كلمات المثل كلمتين أخريين لتأكيد معنى الآية وهما “إذا صبروا”، فأصبحت العبارة “إن الله مع الصابرين إذا صبروا”.

أتحدث في اليوميتين القادمتين عما دار بيننا من حديث أثناء وجبة الغداء مع العالم التشيف، في اليومية الأولى أركز على جوانب من حياته الشخصية والجامعية، وفي الثانية أركز على جوانب من حياته المهنية والعلمية.

اليومية القادمة: وجبة غداء مع عالم تشيف 2\3