الدكاترة الجدد ضيقو الأفق

من هذا المتطاول على أصحاب الدال؟ وما يضرهم أنهم حصلوا على درجة الدكتوراة حديثا؟ وهل يزداد حجم الدال التي تسبق أسمائهم مع الزمن حتى يعابوا بأنهم جدد؟!

أما هذا المتطاول فيدعى الدكتور كرايج بارتريدج Craig Partridge وهو أحد الباحثين في شركة بي بي إن في مجال شبكات الحاسب والاتصالات، بل هو العالم الرئيسي في هذا المجال مَثله مَثل جان مخول في مجال تحليل الأصوات، إذ كلامها يحملان لقب Chief Scientist.

أنهى بارتريدج دراسته الجامعية من جامعة هارفارد في تخصص تاريخ القرون الوسطى (تخيلوا!)، وبعد ذلك حصل على درجتي الماجستير والدكتوارة من نفس الجامعة ولكن في تخصص علوم الحاسب. وقد كان بارتريدج ممن ساهم في بناء شبكة آربانت والتي كما أشرت سابقا هي نواة شبكة الإنترنت الحالية. من أبرز أعماله تصميم كيفية توجيه الرسائل الإلكترونية (رسائل الإيميل) إضافة إلى إسهاماته لتصميم وبناء أسرع موجه (راوتر Router) في أواسط التسعينات الميلادية [1].

فبعد هذا التقديم لهذا العَلم والباحث في الشركة، فهل يصح لي أن أعتبر ما قاله تطاولا على معاشر الدكاترة الجدد؟ خاصة وأنه قالها أمام مجموعة نصفها حاصلون على شهادة الدكتوراة.

لنكمل قصتنا حتى نعرف فيمن قيلت هذه المقولة وما المناسبة؟ وبعدها لنرى إن كانت صحيحة أم لا؟

أقامت الوحدة الإدارية التي أعمل بها خلال الأسبوع الثاني من عملي بالشركة محاضرة بعنوان: “كيف تحصل على دعم مادي من داربا؟” [2]. وكان كرايج بارتريدج المتحدث بحكم خبرته في هذا المجال. ومن ضمن ما ذكر في محاضرته أن داربا تعين مسؤولين عن توزيع أموال الدعم المادي ومتابعة المشاريع البحثية مع الجهات البحثية كالجامعات والشركات. ومن ضمن مسؤولياتهم تحديد المجالات البحثية التي تحتاج داربا للاستثمار فيها، وبعدها يعلن عن هذه المجالات ويتم طلب تقديم مقترحات بحثية من الجهات البحثية من خلال ما يعرف بـ (Request for Proposal – RPF)، بحيث يذكر الباحثون في هذا المقترحات  مدى اطلاعهم في الموضوع الذين يريدون البحث فيه، ويشيرون إلى بعض من أبحاثهم السابقة في هذا المجال إضافة لما ينوون القيام به لتقديم حلول للموضوع. كل يسعى للظفر بهذه “المناقصة” إن صح التعبير. وحيث أن ميزانية شركة بي بي إن تقوم بشكل أساسي منذ أيامها الأولى على الدعم المادي الذي يأتي من الحكومة الأمريكية وخاصة داربا، فعادة ما تكون فترة إنهاء تسليم المقترحات للحصول على دعم داربا أكثر توترا من فترة تسليم الأوراق العلمية للمؤتمرات.

بعدها تحدث بارتريدج عن أهمية بناء العلاقات مع هؤلاء الأشخاص المسؤولين عن الدعم المادي في داربا، حيث أن العلاقات الحسنة لها دور أساسي في كسب ثقتهم. وشرح ذلك بأن العلاقة والثقة الحسنة مع أحد هؤلاء المسؤولين ستيسر على الباحث في الشركة إقناعه بأهمية مجال بحثه لداربا، فبالتالي ستكون فرصته أكبر بالحصول على الدعم عند طلب المقترحات البحثية لأنه كان له دور في تشكيل موضوعها.

ثم تحدث كرايج عن طبيعة هؤلاء المسؤولين وأنهما نوعان إما موظفون قدماء في داربا عملوا في مجالات أخرى ثم تعينوا كمسؤولين عن توزيع الدعم المادلي ومتابعة المشاريع البحثية، أو أنهم دكاترة جدد تخرجو حديثا، وبعدها ذكر مقولته التي عنونت بها هذه اليومية “الدكاترة الجدد ضيقو الأفق”.

فها قد عرفتم عن المقولة الآن قائلها، وفي من قيلت، والمناسبة. فالسؤال الآن لماذا قال ذلك؟
وماذا عساه يقول عن طالب للدكتوراة مثلي في ذلك الوقت لم يسبق حرف الدال اسمه بعد؟

شرح بارتريدج مقولته وقال إن طالب الدكتوراة أول ما يتخرج يكون لديه معرفة كبيرة، ولكنها محدودة في مجال بسيط، وأشار بإبهامه وسبابته لصغر هذا المجال، وأضاف أن المتخرج حديثا من مرحلة الدكتوراة يحتاج لعدد من السنوات ليوسع مداركه البحثية وينضج أكثر كباحث. ويسند ما قاله باتريدج ما قيل في الأثر: العلم ثلاثة أشبار، من دخل في الشبر الأول تكبر، ومن دخل في الشبر الثاني تواضع، ومن دخل في الشبر الثالث علم أنه لا يعلم شيئا. هذه المقولة تنبه طلبة العلم سواء الشرعي أو التطبيقي -وطلبة الدكتوراة منهم- بألا يغتروا بسعة اطلاعهم وعلمهم، وذلك أن العلوم واسعة وهي كالبحر الذي لا ساحل له. فلعل مثل هذه المقولات تذكر الدكاترة الجدد، وحتى القدماء ممن هم مازالوا باقين على ما هم عليه منذ أن حصلوا على شهادة الدكتوراة، ناهيك عمن ما زال طالب لها، بإدراك أن رسالة البحث التي بموجبها سبقت الدال أسماءهم ما هي إلا قطرة من هذا البحر، وأن هذا القطرة مهما كانت كبيرة ستجف بمرور سنوات بسيطة، فطلب العلم عملية لا تنتهي، وأهم ما يتعلمه طالب الدكتوراة في دراسته هو آليات البحث نفسها، وكيفية التعلم الذاتي، وفوق هذا كله الكتابة العلمية الصارمة والتي يتحدث فيها الباحث بكل دقة وموضوعية، ويعبر عن بحثه بقدر ما يعلم، ناهيك عن أن ينسب لنفسه شيئا لم يقم به.

[1] يمكن قراءة المزيد عن كرايج بارتريدج من خلال هذا المقابلة: A Day in the Life of … Craig Partridge
[2] سبق الحديث عن داربا، وللتذكير فهي وكالة تتبع وزارة الدفاع الأمريكية وتقوم بدعم كثير من المشارع البحثية في الجامعات وغيرها بميزانية سنوية يبلغ متوسطها 3,2 مليار دولار.

اليومية القادمة: عندما يضيق بك بلدك ويتسع لك غيره من البلدان!

اجتماع كل الأيادي … أخذ زمام المبادرة عند الرئيس الأول للشركة


ليو بيرانيك – المصدر: LeoBeranek.com

بعدما انتهى رئيس الحالي لشركة بي بي إن من إجابة أسئلة الموظفين أشار بأن لدينا زائرا من نوع خاص. وقد كان هذا الزائر هو أول رئيس للشركة وآخر من تبقى من مؤسسيها على قيد الحياة وهو ليو بيرانيك Leo Beranek. وقد حضر بيرانيك لتوقيع نسخ من كتابه الذي صدر ذلك العام (2008)والذي يحكي فيه مذكرات حياته العلمية والعملية والشخصية. عنوان الكتاب هو ركوب الموجات Riding the Waves، ولكن أرى أنه كان بإمكانه تسمية كتابه بأخذ زمام المبادرة، إذ أن حياته كلها كانت كذلك.

يتطرق بيرانيك -والذي بلغ الأربعة وتسعين عاما وقتها!- في كتابه إلى حياته من نشأته في ولاية أيوا الريفية مرورا بدراسته للدكتوارة في جامعة هارفارد وعمله فيها ثم في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية، ثم مشاركته في تأسيس الشركة، وماذا عمل بعد تركه للشركة، ولا يغفل بطبيعة الحال مؤلفاته وإنجازاته العلمية والعملية.

وسأستعرض هنا جزء بسيطا من حياة هذا العالم الفذ …

ولد بيرانيك عام 1914م، وحصل على شهادة البكالريوس من إحدى الكليات في ولايته أيوا في عام 1936 م، وحصل بعدها بأربع سنوات على شهادة الدكتوراة من جامعة هارفارد المعروفة. وأثناء فترة الحرب العالمية الثانية رأس مختبر الصوتيات الكهربائية في جامعة هارفارد، وقد ساهم المختبر في تصميم أنظمة الاتصالات العسكرية أثناء الحرب. بعدها انتقل للعمل في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية كأستاذ في مجال هندسة الاتصالات بين عامي 1947 و1958م وكان وقتها المدير الفني لمختبر الصوتيات بالمعهد. أثناء عمله في معهد ماسيتشيوسيس للتقنية أسس هو وريتشارد بولت وتشارلز نيومين شركة بي بي إن عام 1948م كما أسلفت الذكر في بداية يومياتي. وفوق ذلك كان أول رئيس للشركة وذلك بين عامي 1952 و 1971 م، وخلال سنواته الأخيرة في الشركة أنشأ فريق في الشركة شبكة آربانت والتي كما أشرت سابقا هي نواة شبكة الإنترنت الحالية.

تخصص بيرانيك في تصميم صالات الأوبرا والفرق الموسيقية، حتى أنه زار أكثر من 100 صالة، وألف عدة مؤلفات في هذا المجال نشر آخرها يا سادة عندما أكمل العقد التاسع من عمره وذلك في عام 2004 م!

وقد حصل قبل نشره لهذا الكتاب بعام واحد على الوسام الوطني (الأمريكي) الرئاسي للعلوم، والذي قلده إياه الرئيس الأمريكي جورج بوش وذلك في عام 2003 م، ويعتبر هذا الوسام أعلى الجوائز العديدة التي حصل عليها في حياته العلمية والعملية.

ولم تتوقف نجاحات بيرانيك عند الجوانب العلمية، فبعد تركه لشركة بي بي إن اشترى إحدى محطات تلفزيون بوسطن المحلية وأدارها وأصبحت من أنجح قنوات أمريكا، وباعها عام 1982 م بأغلى الأثمان والذي لم تصل له قيمة أي محطة تلفزيونية في ذلك الوقت.

فهذا جانب من حياة رجل قضى ما يربو السبعين عاما في حياته العملية، وتسنى له تدوينها في مذكراته بعنوان ركوب الموجات، وكم هو جميل هذا العنوان! فهو يشير إلى مجاله العلمي في الصوتيات والموجات الكهربائية، ويشير كذلك إلى تأقلمه مع ما تحمله الحياة من موجات من خلال ركوبها بدلا من الغرق أمامها.

عودة لخطاب الرئيس الحالي للشركة، فبعد أن انتهى من خطابه، قمت متجها إلى الرئيس الأول للشركة في الطرف الآخر من القاعة حتى أحصل على توقعيه على النسخة التي اشتريتها من كتابه. أثناء توجهي إليه وانتظار دوري حتى يأتي، جلست أتفكر بالرجل الذي سأقابله، وكيف كأنني سأقابل شخصا من أولئك العلماء الذي خلدت كتب الرياضيات والفيزياء ذكرهم، أو أولئك الذي ما فتئ المسلسل الكرتوني “اسألوا لبيبة” والذي كنت أتابعه أيام طفولتي بالحديث عنهم [1]، وجلست أفكر هل أنا أقابل عالما جاءنا من الماضي، أم أنني عدت بآلة الزمن إلى الماضي لمقابلته. توقف تفكيري عندما جائني الدور وقابلت الرجل والذي كان على قدر عالي جدا من الصحة بالنسبة لمن هو في عمره. فذكرت له سعادتي بالالتقاء به وأعطيته الكتاب وكتب عليه بخط يده:

إلى: باسل

أطيب التمنيات

ليو بيرانيك

يوليو 23، 2008

وانصرفت مدركا أنني وإياه لسنا من الماضي …

[1] “اسألوا لبيبة” مسلسل كرتوني ياباني مدبلج إلى العربية كان يعرض على القناة الأولى في التلفزيون السعودي أثناء فترة الثمانينيات الميلادية. ولبيبة هذا عبارة عن كائن خيالي صغير الحجم يخرج من جهاز الكمبيوتر تشبه الإنسان في شكلها غير أن يديها هما طرفا شعرها واللتان تستخدمهما في الطيران. وفي كل حلقة تحكي لطفلين (أخ وأخته) سيرة أحد العلماء أو المكتشفين وأثره على الحياة. ولا أعلم أن المسلسل قد أعيد بثه بعد ذلك رغم القيمة العلمية التي يحملها بأسلوب مشوق.

اليومية القادمة: وجبة غداء مع عالم تشيف 1\3

أستراليا، ماليزيا، الصين، لبنان، إرمينيا، أمريكا

 

ما الذي يجمع بين هؤلاء؟

الجواب هو مديري في العمل وأسرته …

فأبوه أسترالي الأصل والولادة والنشأة، وأمه ماليزية هاجرت إلى أستراليا قبل أكثر من أربعين سنة، ولكنها ليست من عرق الملايو، وإنما من العرق الصيني [1]، فبالتالي فإن مديري ولد ونشأ ودرس في أستراليا. أما زوجته إرمينية ولكنها ولدت وعاشت طفولتها في لبنان قبل أن يهاجر والديها بها إلى أستراليا. وأميركا هي مقر إقامته وحيث ولد أبناءه.

فلكم أن تتصوروا مدى التنوع الذي سيظهر في أبنائه من الناحية الجينية، وكذلك من ناحية تنوع الفرص المتاحة لهم لاكتساب أفضل خصائص البلدان التي يرجعون إليها!

مديري السابق واسمه ديفيد وكان وقتها في أواخر الثلاثينيات من عمره رجل نشيط جدا في عمله، وفوق ذلك فهو أب لولدين أعمارهما بأعمار  أطفالي وقتها (ماجد أربع سنوات ولين سنتين). وهو رجل عائلي، حتى أنه في إحدى الاجتماعات تحدث الحضور عن ما قام به كل واحد منهم خلال إجازة نهاية الأسبوع، فعندما جاء دوره ذكر أنه أخذ ابنه الكبير لحديقة الحيوانات، ليس هنا الشاهد، فتمشية الأولاد أمر نقوم به، أو لأكن صريحا مع نفسي أمر نسعى للقيام به، ولكن الملفت أنه أخذ ولده لحديقة الحيوانات للمرة الثالثة خلال أسبوع واحد!

قد ذهلت لمقدرة هذا الوالد المشغول بدوامه من كيفية التوفيق بين التزاماته الوظيفية والعائلية وفوق هذا يخرج إلى حديقة الحيوانات ثلاث مرات مع ابنه، بل عجبت أكثر من صبره على تكرار مشاهدة القرود! ومتأكد أنه لم يذهب ثلاث مرات إلا لأن ابنه ألح عليه في ذلك. ولكم أن تتصورا لو ألح أحد أولادنا للذهاب لحديقة الحيوانات ثلاث مرات في الأسبوع كيف أنه قد يأتيه رد من أبيه أو أمه أن الحديقة احترقت حتى يسكت الولد!

وديفيد وعائلته بالمناسبة لديهم اشتراك سنوي في حديقة الحيوانات ومتحف العلوم، وأجزم كذلك بمتحف الأطفال، وغيرها من الأماكن وذلك لكثرة تمشيته لعائلته في تلك الأماكن.

وكما ذكرت فإن ديفيد نشيط في عمله، فقد وجدته مرة في مكتبه بعد الساعة السابعة فسألته ألم تذهب لبيتك فذكر أنه عنده بيرميشين (إذن)، فضحكت وقلت حتى أنتم في أستراليا عندكم البيرميشن؟ وتحدثت كيف أن بعض الرجال عندنا لديهم وزارات للداخلية في بيوتهم تعطيهم البيرميشين. وبعد هذه الحادثة بكم يوم وجدته مرة أخرى في وقت متأخر، فقال لي هذه المرة أن وزارة الداخلية أعطته البيرميشن.

ديفيد أيضا يحسن معاملة حماته ويتحدث عنها بخير، إذ أنها كانت في زيارة لهم من أستراليا خلال فترة عملي، وكانت تقيم عندهم قبل أن تسوء حالة والدها الصحية، مما اضطرها لقطع زيارتها والعودة إلى أستراليا.

ديفيد يحرص أيضا على الاطلاع على آخر الكتب التي تأتي بها مكتبة الشركة سواء العلمية أو العامة، والتي سيكون حديثي عن أحد هذه الكتب ومؤلفه في الموضوع القادم …

[1] سكان ماليزيا ينحدرون من عدة عروق حسب التوزيع التالي التقريبي: الملايو وباقي السكان الأصليين 61% الصينييون 24% الهنود 7% و 8% المتبقية من أصول أخرى – المصدر: مكتبة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

اليومية القادمة: المحاضرة الأخيرة

شبكات الروبوت 22

 

تحدثت في اليومية السابقة عن ما هي شبكات الروبوت وفي ماذا تستخدم، وفي هذا الموضوع سأتحدث عن بعض من أضرارها على الغير. فأبرزها ابتداء محاولة السيطرة على أجهزة أخرى لتجنيدها وضمها لنفس الشبكة ويكون ذلك عن طريق إرسال رسائل قصيرة لمعرفة إذا كان هناك ثغرة يمكن استغلالها للسيطرة على الجهاز وهو ما يعرف بـ (Scanning) ومن ثم تحميل حصان طروادة. وسيلة أخرى هي استخدام الروبوتات لإرسال الرسائل المزعجة (Spam) للآخرين. وتشير تقارير شركة سيمانتك الربع السنوية والتي تحلل وتناقش التهديدات الأمنية في الإنترنت إلى أن 85-90% من رسائل السبام مصدرها شبكات الروبوت.

من ضمن الأضرار أيضا التي يمكن أن تقوم بها شبكات الروبوتات هو إرسال رسائل لتخمين كلمات السر بالحسابات البنكية وسرقة ما فيها من أموال، وكذلك يمكن استخدام هذه الرسائل لتخمين كلمات السر الخاصة بالقطاعات الحكومية الحساسة ونقل معلوماتها إلى جهات أخرى معادية.

نوع آخر من الأضرار أو الهجمات التي تقوم بها شبكات الروبوت يعرف بـ DoS وهو اختصار لـ (Denial of Service) ويكون عن طريق إرسال رسائل قصيرة فارغة ولكن بكثافة عالية للجهاز الضحية وعادة ما يكون هذا الجهاز تابع لموقع على الإنترنت، الهدف من إرسال هذا الكم الهائل من الرسائل هو استهلاك ذاكرة الجهاز (Memory) أو استهلاك سعة الوصلة التي توصله بالإنترنت (Link Capacity) فبالتالي لا يستطيع تحمل مزيدا من الرسائل وينقطع عن الإنترنت. هذا النوع الأخير من الهجوم قد يتسبب بخسائر مادية للمواقع التجارية تحديدا، وذلك لعدم تمكن زبائنها من الشراء منها خلال فترة تعطلها.

هجمات DoS تكون أحيانا مدفوعة بدوافع سياسية، مثال لذلك هو ما حصل عام 2007 م لدولة أستونيا (إحدى الدول التي استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي)، وذلك عندما تعطلت مواقع الوزارات الحكومية، والأحزاب السياسية، والصحف، والبنوك، والشركات بسبب هذا النوع من الهجوم والذي استمر لمدة ثلاثة أسابيع!

فما الذي فعلته أستونيا حتى تصاب بهذا النوع من الهجوم الذي لم يحصل له مثيل من قبل؟ ومن نفذه؟ وما الدافع؟

ترجح التحليلات أن السبب في ذلك يرجع إلى أن أستونيا قامت بإزالة تذكار جندي يرمز للحرب السوفياتية ضد الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية، مما سبب غضب عارم لدى الروس فقام أحدهم بتصميم برنامج وطلب من الشعب عن طريق منتديات الإنترنت تحميله على أجهزتهم بحيث قامت هذه الأجهزة مجتمعة بشن الحرب على المواقع الأستونية وتعطيلها وقطع اتصالاتها بالإنترنت! [1]

هذه القدرة التخريبية الهائلة لشبكات الروبوت زادت من اهتمام الباحثين في مجال شبكات الحاسب وأمن المعلومات، ومن قبلهم الجهات الحكومية الأمريكية المعنية، ودعتهم للتصدي لهذا الخطر الجديد عن طريق تصميم برامج وخوارزميات لاكتشاف هذه الشبكات، ومن ضمن هؤلاء الباحثين الفريق الذي أعمل معه في الشركة، وقد تحدثت عن أحد أعضائه (مدج) في الموضوع السابق وسأتحدث عن عضو آخر في الفريق ولكن من زاوية أخرى في اليومية القادمة …

[1] لمعرفة المزيد عن هجوم شبكات الروبوت على دولة أستونيا يمكن مشاهدة هذا التقرير على هذا الرابط http://www.pbs.org/kcet/wiredscience/video/83-world_war_2_0.html

اليومية القادمة: أستراليا، ماليزيا، الصين، لبنان، إرمينيا، أمريكا

هاكر تائب 22

أواصل الحديث عن مدج والبرنامج الذي صممه لكسر كلمات السر، والذي انتقلت ملكيته لشركة سيمانتك بعد شرائها لشركة مدج والتي بدورها أوقفت بيعه بنهاية عام 2006.

وقبل أن أكمل أوضح أن لبرامج كسر كلمات السر استخدامات أخرى غير محاولة معرفة كلمات السر للآخرين، من ذلك بعض الاستخدامات السلمية مثل استرجاع كلمات السر المنسية أو اختبار قوة كلمات السر المستخدمة.

ذكر لنا مدج بلسانه أثناء تناول الغداء مع بعض الزملاء في العمل أنه يوجد بند في عقد شراء البرنامج الذي صممه ينص في أنه حالة توقف الشركة عن بيع البرنامج لأكثر من سنة فإنه يتعين على الشركة بيع البرنامج لمدج بسعر السوق، وحيث أنه مرت أكثر من سنة على عدم بيع البرنامج، فكان مدج وقتها في طور إنهاء الخطوات اللازمة لاسترجاع ملكية البرنامج [1] وهو متحمس لتطوير البرنامج ليتوافق مع الإصدارات الجديدة لنظام التشغيل Windows ويندوز وثم تسويقه كمنتج.

سألت مدج بعدها عن سعر السوق فقال والابتسامة تملئ فاه: زيرو! (صفر) لأن البرنامج حاليا لا يباع. ثم أضاف أنه غالبا سيتم الاتفاق على مبلغ زهيد في حدود 10 دولار لاسترداد الملكية (وربما من أسباب ذلك أيضا حفظ ماء وجه سيمانتك من بيع البرنامج بدون مقابل)، سألته أيضا إن كانت شركة سيمانتك على علم بهذا البند في العقد الذي مكنه من استرداد البرنامج؟ فأجاب أنه فيما يبدو أنهم لم ينتبهوا له خاصة أنه هذا البند كان أحد بنود عقد الشراء لشركة أخرى صغيرة امتلكت البرنامج قبل أن تشتري سيمانتك تلك الشركة الصغيرة، وأضاف أن محاميه أشار عليه بتضمين هذا البند حتى يستطيع استرجاع ملكيته [2]

فهذا درس تعلمته وهو أن شطارة المهندسين والمبرمجين وحدها في أمريكا لا تكفي للحصول على المال ولكن لا بد من شطارة المحامين معهم!

وقد أحسن مدج توظيف مهارته حيث كان من أوائل الهاكرز الذين بنوا علاقات مع القطاعين الحكومي والصناعي، حيث تحدث في مؤتمرات علمية لها مكانتها. ومدج مع ستة من رفاقه كانوا ممن شهدوا أمام لجنة من لجان الكونجرس الأمريكي في عام 1998 أنهم يستطيعون تعطيل الإنترنت خلال 30 دقيقة. وفي عام 2000 دعاه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون للالتقاء به ومع وزرائه للتشاور بخصوص الانتشار المتصاعد لاختراقات أمن الإنترنت.

مدج يعد من الجيل الجديد مقارنة بمن سبقت وأن كتبت عنهم من موظفي الشركة، واسمه الحقيقي Peiter Zatko بيتر زاتكو [3]، وتحرص شركة بي بي إن على الاستفادة منه كخبير في مجال الاختراقات من خلال عمله مع فرق العمل التي تعمل على مشاريع الشركة المختلفة.

الجميل في الأمر أنه من أحد أعضاء فريق عمل المشروع الذي أعمل فيه. فهو يحضر اجتماعات المشروع ونتناقش خلال هذه الاجتماعات حول أفضل الحلول الممكنة لمقاومة الخطر الأمني للمشكلة التي كنا نقوم بدراستها في المشروع، والتي سيكون حديثي عنها في الموضوع القادم.

وتستمر شركة بي بي إن بإثبات نفسها كمكان غير عادي


[1] استرجاع ملكية البرنامج تعني استرجاع حقه في استخدام الكود code لأغراض ربحية.

[2] تمكن مدج (بعد انتهاء فترة عملي بالشركة) من استعادة ملكية البرنامج في بداية عام 2009 وقام بعد ذلك طرحه كمنتج تجاري من أسعار تبدأ من 395 دولار. فهنيئا له ولشركائه هذا النجاح.

[3] بعض الأمريكيين لسبب أو آخر يختارون لأنفسهم اسما قصيرا، بحيث يصبح هو الاسم المستخدم لهم وهو ما يعرف بـ Nickname، أحيانا يكون الاسم مشتقا من اسمهم الأصلي (مثال Jimmy لـ James) أو مرتبطا به (مثال Bill لـ William)، وأحيانا يكون الاسم غريبا بعض الشيء ولا علاقة له بالاسم الأصلي، وكثيرا ما يشتهر الشخص باسمه الغريب حتى أن المقربين للشخص (من غير أقاربه طبعا) قد لا يعرفون أصلا أنه يمتلك اسما آخر!

اليومية القادمة: شبكات الروبوت

هاكر تائب 12


تحدثت كثيرا عن تاريخ شركة بي بي إن والإنترنت والأشخاص المساهمين في تطويرها، ولكن لم أتحدث عن بعض من حاضرها.
لذا سأتحدث اليوم عن شخص يعرف بـ Mudge مدج، ومدج هذا سأسوغ لنفسي أن أصفه بـ هاكر “تائب”، وإن كنت أقر أن وصف التائب غير دقيق، ليس لأن التوبة تقتضي الكف عن الذنب ولكن لأن من مقتضياتها القيام بذنب ابتداء، ولا أعلم أن لصاحبنا ذنب سابق [1].

ورغم أن دارسة مدج الجامعية كانت في الموسيقى إلا أن فنه هو في إيجاد الثغرات الأمنية في برامج وأنظمة الإنترنت. وله تاريخ في ذلك، فبحسب موقع ويكيبيديا فقد كان من أوائل من بدأ في دراسة الثغرة الأمنية التي عرفت بـ Buffer Overflow، بل إنه من أوائل من كتب ونشر برنامج لاستغلال هذه الثغرة عندما كان عمره 25 سنة. والمكان لا يسمح بشرح كيفية استغلال هذه الثغرة، ولكن سأذكر أن من أسبابها ضعف المواصفات الأمنية في لغتي C و ++C والمستخدمتين في تصميم كثير من الأنظمة، وأن استغلال هذه الثغرة يعطي للمخترق السيطرة الكاملة على نظام التشغيل [2].

كان لمدج مع مجموعة من رفاقه الهاكرز شقة يجتمعون فيها في بوسطن لتطوير بعض البرامج، أحد الأمثلة برنامج لكسر كلمات السر، وكان هو المطور الأساسي لهذا البرامج. وهذا البرنامج انتقلت ملكيته لشركة Symantec سيمانتك المعروفة بإصدار برامج مكافحة الفيروسات وذلك بعدما اشترت سيمانتك شركة مدج ورفاقه في عام 2004، ولكن بعد فترة من تملك شركة سيمانتك للبرنامج قررت التوقف عن بيعه وذلك في نهاية عام 2006.

فهل كان هذا القرار من شركة سيمانتك هو نهاية هذا البرنامج؟

سنعرف الإجابة في اليومية القادمة …


[1] الهاكر مأخوذة من الكلمة الإنجليزية Hacker والمقصود به المخترق وهو شخص لديه معرفة واسعة ومهارة في إيجاد الثغرات الأمنية في أنظمة وبرامج الحاسب، وبناء على كيفية توظيفه لهذه المعرفة والمهارة يمكن وصفه بهاكر شرير إن استخدم هذه المهارة في سرقة المعلومات أو الأموال، أو هاكر خيّر إن استخدم هذه المهارة للمساهمة في تطوير أنظمة وبرامج الحاسب. وصاحبنا مدج من النوع الثاني.

[2] درسنا هذه الثغرة في مادة أمن الحاسب في جامعة كارنيجي ميلون، حيث أعطانا الدكتور وقتها واجبا للقيام بكتابة برنامج لاستغلال هذه الثغرة في شبكة معزولة عن الإنترنت مخصصة لمثل هذه التطبيقات، وقد قمت مع زميل كوري بكتابة البرنامج ونجحنا في السيطرة على نظام التشغيل! لكني أقر أن الزميل الكوري قام بالدور الأكبر في هذا الواجب، وما ذلك إلا لأني قمت بالدور الأكبر في الواجبات السابقة.

اليومية القادمة: هاكر تائب 22

مبشر إنترنتي

فينت سيرف – المصدر: Google site

من ضمن نشاطات الشركة استضافة الباحثين والمتميزين في المجالات العلمية للتحدث عن نشاطاتهم، وعادة ما تكون المحاضرة في غرفة متوسطة الحجم وتلقى خلال وقت الغداء حتى يحضر أكبر عدد من الموظفين بحيث يتناولون غدائهم أثناء سماع المحاضرة، ولا تعقد المحاضرات العامة في غير هذا الوقت لارتباط الموظفين باجتماعات خلال باقي أوقات اليوم.

ولكن الأمر يختلف إذا كان المتحدث هو نائب شركة جوجل ورجل أفنى عمره في تطوير الإنترنت حتى أن مسمى وظيفته في جوجل هو Internet Evangelist والتي يمكن ترجمتها إلى مبشر إنترنتي [1]. فقد أقيمت المحاضرة الساعة الرابعة مساء حتى يمكن استخدام منطقة الكافيتريا كلها لاستضافة الحضور.

أما عن المحاضر فاسمه Vint Cerf فينت سيرف والذي مثل راي توملينسون (مخترع الإيميل) في الستينات من عمره وإن كان أكثر اهتماما بمظهره وبصحته ووزنه، وهو أيضا من ضمن قائمة أعلى خمسين شخصية صاحبة رؤية تقنية والتي نشرتها مجلة بي سي وورلد، وكان ترتيبه السادس عشر.

لأهمية المحاضرة حرصت أن يحضرها أخي ناصر والذي كان يزورني وقتها في بوسطن. تحدث سيرف أمام حشد كبير من موظفي الشركة إضافة إلى معارف موظفي الشركة والذين أتوا من خارج الشركة لحرصهم للاستماع إليه. كان جل حديث سيرف عن تاريخ الإنترنت، وكان يعرض على الحضور صورا لبعض الأجهزة التي استخدمت عندما بدأت الإنترنت، ويشير مثلا أن هذا الجهاز أو هذه الخوارزمية طورها أو ساهم في تطويرها فلان ثم يشير إليه في الحضور (مثل توملينسون) أو يذكر أنه كان يعمل في شركة بي بي إن، واستمر في حديثه المشوق والمضحك في نفس الوقت. وكان مما ذكر أنه مع بداية السنة القادمة (أي 2009) سيكون بإمكان عناوين مواقع الإنترنت أن تنتهي بأي كلمة بعد النقطة (دوت)، كما يمكن أن تكتب بأي لغة.

وللحديث بقية


[1] أود أن أوضح أن لا علاقة للرجل بالتنصير، ولكن القوم يستخدمون المصطلحات الدينية للدلالة على الأهمية، فكثيرا ما يستخدمون كلمة Bible والتي تعني الإنجيل لوصف الكتب ذات الأهمية المرجعية، وحتى وإن كانت تقنية.

اليومية القادمة: أزمة الأربعة مليار

@

راي توملينسون … مخترع الإيميل – المصدر: BBN Technologies site

من منا من لا يستخدم هذه العلامة عند إرساله للرسائل عبر البريد الإلكتروني (الإيميل)؟

هل فكرتم من أتى بهذه العلامة؟ أو من الذي أرسل أول إيميل؟ ومتى كان ذلك؟

الجواب هو شخص يدعى Ray Tomlinson راي توملينسون وذلك في عام 1971م أثناء عمله في شركة بي بي إن [1].

يذكر توملينسون في موقعه أنه أول من أرسل رسالة بين جهازين عبر شبكة آربانت، ويشرح سبب اختياره لعلامة @ وذلك لأنها لا تظهر في أسماء الأشخاص أو الأجهزة فبالتالي تصلح للفصل بين الاسمين، كما أن العلامة نفسها اختصار لكلمة at الإنجليزية والتي من معانيها عند، فيكون المعنى أن اسم المستخدم (الشطر الأول من العنوان) هو عند الجهاز الفلاني (الشطر الثاني من العنوان). ويجيب على أحد الأسئلة التي يتكرر طرحها عليه حول طبيعة استخدام الإيميل عند بدايته، فيقول أن استخداماته لم تكن مختلفة عما هي عليه الآن، باستثناء أنه لم يوجد وقتها رسائل مزعجة وهو ما يعرف بالسبام spam.

بقي أن أضيف أن توملينسون ما زال موظفا في شركة بي بي إن (أثناء الفترة التي عملت فيها بالشركة)، وهو في منتصف الستينات من عمره، وقضى ما يربو على الأربعين عاما في رحاب هذه الشركة، وأراه من وقت لآخر في كافيتريا الشركة. وقد حصل مؤخرا على الترتيب السادس من ضمن قائمة أعلى خمسين شخصية صاحبة رؤية تقنية، والتي نشرتها مجلة PC WORLD بي سي وورلد في شهر مايو من عام 2008 [2]. وكان من ضمن القائمة كذلك Sergey Brin سيرجي برين و Larry Page لاري بيج مؤسسي شركة جوجل في الترتيب الثاني، و Bill Gates بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت في الترتيب الثالث، وعقبال ما يكون لدى واحد من ربعنا موقع في هذه القائمة.

راودني نفس الإحساس وقتها بقيمة المكان الذي أعمل فيه، وكيف أن أحد أكثر التطبيقات استخداما اليوم بدأ من هنا!

[1] بعكس تاريخ انضمام جون زنكي للشركة، فإني لم أكن موجودا في هذا العالم لأشهد إرسال أول إيميل.

[2] يمكن الاطلاع على قائمة أعلى خمسين شخصية صاحبة رؤية تقنية من مجلة بي سي وورلد على هذا الرابط Top 50 Tech Visionaries

اليومية القادمة: مبشر إنترنتي

آربانت … بداية الإنترنت

أعضاء الفريق الذي ساهم في إنشاء آربانت في عام 1969 – المصدر: BBN Technologies site

 

أحد التخصصات الفرعية في مجال الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسب هو شبكات الحاسب. وكثيرا ما تبدأ أول محاضرة في مادة مقدمة الشبكات عن الحديث عن الإنترنت، وتحديدا تاريخ الإنترنت وكيف أنها بدأت بشكبة صغيرة لاستخدامات الجيش الأمريكي، وكان اسم هذه الشبكة ARPANET آربانت. وآربا هي عبارة عن الأحرف الأولى لوكالة المشاريع البحثية المتقدمة (Advanced Research Projects Agency)، والتي تعرف الآن باسم DARPA داربا، بعض إضافة وصف الدفاعية (Defense) على مشاريع الوكالة [1].

وداربا هذه علم على رأسه نار لدى الباحثين في مجالات الهندسة وعلوم الحاسب وغيرها من العلوم، إذ أنها تقوم بدعم كثير من المشارع البحثية في الجامعات الأمريكية وغيرها من المؤسسات البحثية بميزانية سنوية يبلغ متوسطها 3,2 مليار دولار. يقتات من هذه الميزانية عدد كبير من طلبة الدكتوراة لتغطية رسومهم الدراسية إضافة إلى مرتباتهم الشهرية. ونظرا لكثرة المشاريع التي تمولها داربا داخل جامعتي كارنيجي ميلون ونظرا لكون داربا تتبع مباشرة لوزارة الدفاع الأمريكية، فقد ذكر لي أحد زملائي في الجامعة أنه سبق وأن قام بعض منسوبو الجامعة بمظاهرة ضد الجامعة نفسها! وكان السبب في ذلك أن بعض أنشطة وزارة الدفاع في نظرهم تتنافى مع القيم الأخلاقية المتعلقة بالمحافظة على الكرامة الإنسانية.

عودة لآربانت … والتي يفترض أن اسمها مر على كل من درس تاريخ الإنترنت. ولكن ما لا قد تعلمونه هو أن الشركة التي بنت وأنشأت هذه الشبكة للجيش الأمريكي هي شركة بي بي إن!

ذكر ذلك لي جون زنكي نفسه حيث قال أنه بدأ العمل في الشركة قبل 25 عاما عندما كان “صبيا” إذ كان عمره وقتها 25 عاما [2]. كان زملاء زنكي الأقدم منه في العمل قد أنشؤوا فعليا هذه الشبكة في عام 1969 م، ولكن العمل كان ما زال ساريا لتطويرها عندما انضم إلى الشركة، وبدأ بذكر أسماء زملائه واحدا تلوا الواحد والذي علموا على تطوير هذه الشبكة مع إشارته إلى مواقع مكاتبهم في المبنى، فلان هنا في الدور الثاني وعلان هناك في الدور الخامس وهكذا… بل أنه أخرج ظرفا كرتونيا يحتفظ به خلف خزانته، ثم فتحه فإذا هو مخطط الشبكة قبل 25 سنة وكان عمر المخطط واضحا إذا طبع عليه عام 1983! وبدا هذا المخطط وكأنه مخطوطة أثرية عمرها 250 سنة وليس 25 سنة. وبين لي زنكي عن نيته بأن يضع هذه “المخطوطة” في إطار ويعلقها في مكتبه في يوم ما.

أحسست بعد حديثي معه بقيمة المكان الذي أعمل فيه، وكيف أنه كان مهدا لأحد أعظم اختراعات البشرية!



[1] الملفت في النظر أن هذا التغير في اسم الوكالة حصل مرتين، فكانت في البداية آربا وذلك في عام 1958، ثم تغير اسمها إلى داربا في عام 1972، ثم إلى آربا مرة أخرى في عام 1993، ثم إلى داربا مرة أخرى في عام 1996!

[2] سألني زنكي مداعبا إن كنت قد ولدت قبل 25 عاما؟ طبعا عندما تتحدث مع من يفوقك عمرا فلا يوجد داعي لتصغير نفسك خاصة وأنه يعتبر من عمره 25 بمنزلة الصبي، فأجبت مباشرة بأني كنت موجودا في هذا العالم، مما يعني أني شهدت بداية عمله في الشركة.

اليومية القادمة: @

عماد الدين زنكي

صورة تنسب لعماد الدين زنكي

قبل الحديث عن بداية الإنترنت سأتحدث عن أحد من عاصر بداياتها.

خلال الأسبوع الأول من عملي في الشركة مر على مكتبي أحد الباحثين في الشركة وكان ضخم الجثة عريض المنكبين كث اللحية أصلع الرأس بلغ الخمسين من عمره وكان يتكأ على عصا [1].

رحب الرجل بي كوني أحد المتدربين الجدد خلال فترة الصيف وعرف بنفسه قائلاجون زنكي، بعدها عرفت بنفسي … باسل السدحان، ثم انقطع الحديث إذ جائني أحد من أعمل معه في المشروع واعتذرت عن مواصلة الحديث مع زنكي.

جلست بعدها أفكر بهذا الزنكي، فشكله قطعا يصلح أن يكون من المنطقة العربية وما أحاطها، واسم عائلته اسم لعائلة حاكمين وقائدين عسكريين مسلمين من أصل تركي وهما عماد الدين زنكي وابنه نور الدين زنكي. وكانت إمارة هذين الحاكمين في بلاد الشام حيث حاربا الصليبييّن، وكان من ضمن قادة جيوش نورالدين القائد المعروف صلاح الدين الأيوبي والذي استقل فيما بعد بحكمه عنهما في مصر ثم ضم الشام والحجاز وقهر الصليبيين في حطين ثم استرجع القدس منهم، وقصص هؤلاء القادة معروفة وموجودة في كتب التاريخ.

عودة لزنكي المعاصر … فقد زرت مكتبه في اليوم التالي وسلمت عليه، وبعدما فتحت الحديث معه سألته إذا كان أجداده قد قدموا من تركيا، فلم يؤكد أو ينفي المعلومة ولكنه ذكر أن اسمه باللغة الألمانية يعني الرجل ذو الأنف الكبير. تذكرت عندها بيت الشعر الذي درسناه في مادة الأدب في موضوع الهجاء إذ قال الشاعر: وجه المغيرة كله أنف موف عليه كأنه سقف [2]. عودة للموضوع مرة أخرى … فذكرت له أسماء عماد الدين ومحمود الدين زنكي، ولكنه لم يعرفهما، فذكرت أن صلاح الدين كان أحد القادة في جيوشهما، ظنا مني أن صلاح الدين معروف، ولكنه لم يعرفه أيضا، قلت له أرأيت فيلم مملكة السماء والذي عرض قبل سنتين عن صلاح الدين، ولكن كانت إجابته بالنفي، فأخذت على عاتقي إعطاء نبذة عنهم.

بعدها بيوم استضفته في مكتبي لأريه ماذا تقول موسوعة ويكيبيديا [3] عن عماد الدين زنكي. ما لفت نظري هو أن الصفحة ذكرت أن إحدى الأساطير الصليبية تذكر أن أم عماد الدين هي من أصل نمساوي، فذكر زنكي المعاصر أن هذا أصله، فأحسست بأني وجدت الرابط بين الزنكيين، فقلت له أن الإمبراطوريتين التركية والنمساوية كان بينهما حدود مشتركة، فمن الطبيعي أن الناس كان يتنقلون بينهما [4]. أضاف بعدها أن جده كان كاثوليكيا وخبازا يهوديا، بمعنى أن كان يخبز حسب الأعراف اليهودية، وأضاف مما يعني أن أبا جده كان يهوديا، وأن السبب في أن جده كان كاثوليكيا وليس يهوديا يجب أن يكون أن أم جده كانت كاثوليكية.

طلب مني زنكي بعدها إرسال رابط الموضوع من موقع ويكيبديا له حتى يرسلها لأقاربه وقد فعل

من الآن كلما جاء ذكر القائد عماد الدين زنكي فسيتبادر إلى مخيلتي صورة جون زنكي في شكله وهيئته



[1] كان يتكأ على عصا وذلك بسبب عملية أجريت على ركبته حديثا.

[2] أتمنى أن تكون حذفت هذه القصيدة من المنهج إذ أنها تدخل من ضمن السخرية بأشكال الناس.

[3] صفحة عماد الدين زنكي على موقع ويكيبديا en.wikipedia.org/wiki/Zengi، ويجدر أن أذكر أن موسوعة ويكيبيديا تقوم على القارئين لها بحيث يكتب أحدهم معلومات عن موضوع ما، ويقوم باقي القارئين بمراجعته وتنقيحه. وهي منشورة بعدد كبير من اللغات بما في ذلك اللغة العربية. موقع الموسوعة هو www.wikipedia.org

[4] بعد مراجعة صفحة عماد الدين زنكي على موقع ويكيبيديا مرة أخرى، وجدت بعد ذكر هذه الأسطورة ما يفند صحتها.

اليومية القادمة: آربانت … بداية الإنترنت