في مقرر شبكات الاتصالات الذي أدرسه بالجامعة أطلب من كل طالبين بحث موضوع في الشبكات لإلقاء عرض باوربوينت وكتابة مقال عنه باللغة العربية. بعد تسليم المقالات أرسل المميز منها للنشر كمساهمة في زيادة المحتوى العربي. وقد قام موقع عالم التقنية مشكوراً بنشر هذه المقالات
هذا المقال كتبه عبدالله الذواد ومحمد البقمي ونشر في موقع عالم التقنية على هذا الرابط. أترككم مع المقال.
منذ نشأة الإنترنت في السبعينات الميلادية من القرن الماضي، لم يكن هناك حاجة ملحة للسرعات العالية لنقل البيانات نظراً لاستخدامها المحدود جداً ذلك الحين. ولكن مع التطور التدريجي – الذي كان ملحوظاً بعد الثمانينات الميلادية – والتوسع الكبير منذ ذلك الحين، لم تتمكن الأسلاك النحاسية من مواكبة الطلب المتزايد على السرعات العالية لكونها تدعم سرعات بمتوسط لا يتجاوز ال 8 ميجابت لكل ثانية. لكنها استُخدِمت على كل حال نظراً لوجود بنيتها التحتية، حيث أنها في الأصل كانت تستخدم لشبكات الهاتف. التزايد المهول للحاجة لسرعات أعلى أجبر الشركات والهيئات المسؤولة للتوجه لاستخدام الاتصالات الضوئية عن طريق الألياف البصرية، أو كما تعرف بمصطلح ‘FTTx’. بدأ استخدام الألياف البصرية تجارياً عام 1997م عن طريق شركة ‘FLAG’ التي قامت بربط القارَّات ببعضها البعض بكيابل بصرية لزيادة سعة البيانات عبر القارَّات، واستمر التوسع في استخدامها حتى تجاوزت قبل بضع سنوات ربط القارَّات إلى ربط المنازل والمنشئات الخاصة عن طريق مزودي الخدمة المحليين.
قد يطرأ للقارئ العزيز السؤال التالي: كيف تعمل تقنية الألياف البصرية، وما الذي يميزها عن الأسلاك النحاسية التقليدية؟ تستطيع عزيزي القارئ أن تتخيل الألياف البصرية بصورتها البسيطة، هي عبارة عن أنبوب دقيق جداً ذو سطح داخلي عاكس، يقوم بنقل البيانات على شكل نبضات ضوئية. أما مصدر النبضات فهو مصدر ضوئي – جهاز ليزر على سبيل المثال، وهو يمثل المرسل – موجَّه بكيفية معينة بحيث يتم حقن الضوء الخارج من المصدر الضوئي داخل الأنبوب، يكون ذلك بمستويات ضوئية مختلفة لتمثيل البيانات، بحيث يقوم السطح الداخلي بعكس الإشعاع لعدة مرات حتى يصل للطرف الآخر – المستقبل – الذي يقوم باستقبال الضوء وتحويله لصيغة يفهمها جهاز الكمبيوتر- انظر الشكل 1. كما أن تقنية الألياف البصرية تتميز عن الأسلاك النحاسية بمزايا متعددة، أهمها سعتها الفائقة لنقل البيانات التي تصل إلى عشرات الجيجابت في الثانية وربما أكثر! بالإضافة لقدرتها على نقل البيانات لمسافات كبيرة جداً تصل إلى 100 كم دون الحاجة إلى مقويات الإشارة ‘Amplifiers’ على عكس الأسلاك النحاسية التي تحتاج لاستخدام مقويات لكي تستطيع نقل البيانات لمسافات بعيدة.
الشكل1: طريقة انتقال الضوء داخل الألياف البصرية.
الانتشار المتسارع لشبكات الألياف البصرية لم يغير نوعية الخدمات التي كانت تقدم من قبل بشكلٍ كبير، لكنه قفز بجودة الأداء لمستويات مبهرة. لك عزيزي القارئ أن تتخيل التغير بين سرعة نقل بيانات من 8 ميجابت لكل ثانية إلى 100 ميجابت لكل ثانية،وهي من أعلى السرعات المقدمة حالياً للاستخدام الشخصي، مما يعني مضاعفة سرعة الاتصال حتى 12 ضعف تقريباً، الذي بدوره سيزيد سرعات التحميل والتصفح أكثر من اثنتي عشرة مرة. وكما أن شبكات الألياف البصرية طورت جودة الخدمة، كذلك قامت بتبسيط الشبكة إلى حدٍ كبير، حيث أن شبكات الألياف استغنت عن المقسم ‘switch’ المعقد الذي يستخدم في شبكات الأسلاك النحاسية بموزع ‘splitter’ يقوم بتوزيع الضوء القادم من مركز الخدمة على جميع المنازل المرتبطة به، بحيث يقوم كل مستقبل ‘modem’ بقراءة البيانات الخاصة به عن طريق بروتوكول تحكم الوصول للوسط الناقل ‘Medium Access Control (MAC)’ الذي يمكِّن كل مستقبل من قراءة محتوى الألياف البصرية لمدة زمنية قصيرة جداً يتم تحديدها من قبلمركز الخدمة، بحيث أن هذه المدة تحتوي على المعلومات التي تخص هذا المستخدم دون غيره. مما يزيد من المستوى الأمني للشبكة ويمنع التجسس. هذا الإجراء يعد أحد أنواع الـ (MAC) ويسمى Time Division Multiple Access (TDMA) أي تعدد المستخدمين بتجزيء الوقت.
تتعدد تسمية خدمة الألياف البصرية (FTTx) بحسب نطاق التغطية. هذا التنوع – أو المسميات إن صح التعبير – مدرجة في الجدول التالي.
FTTH يعني أن الألياف تصل حتى سكن المستخدم، بينما FTTB تمثل وصول الألياف حتى المبنى فقط وليس الشقة أو السكن. كذلك FTTC و FTTN تعنيان أن الألياف تصل حتى أقل من 300م للأول و أكثر من 300م للثاني، هذا التنوع ينعكس بالطبع على جودة وسرعة الاتصال.
بعد كل هذه المزايا الرائعة للألياف البصرية، قد يتساءل البعض عن سبب بطئ انتشارها. يعود هذا البطئ إلى كون المعدات الخاصة بهذه التقنية مكلفة للغاية، بالإضافة لصعوبة صيانة وتركيب الألياف البصرية في حال تلفها. ولكن المعوِّق الرئيسي هو صعوبة استبدال البنية التحتية الموجودة حالياً بالبنية التحتية اللازمة لهذه التقنية، بالإضافة لعدم حاجة المستخدم العادي للسرعات العالية. هذان السببان جعلا الاتصال التقليدي عن طريق الأسلاك النحاسية مستمراً حتى يومنا هذا.
بواسطة: عبدالله ذواد الذواد – محمد فهد البقمي