أزمة الأربعة مليار

استكمالا للحديث عن محاضرة نائب رئيس شركة جوجل فينت سيرف

تحدث عن مشكلة قرب نفاد عناوين الإنترنت وأنه يتوقع في عام 2011 م أن تنفد هذا العناوين بسبب كثرة الأجهزة التي تتصل بالإنترنت، والأجهزة هنا تشمل الحاسبات الشخصية والأجهزة التي تستضيف مواقع الإنترنت أو التي تنظم اتصالات الإنترنت أو تقوم بغيرها من المهام.

وقبل أن أواصل عرض ما ذكر في المحاضرة أود أن أشرح مشكلة نفاد عناوين الإنترنت بشكل مختصر.

كل جهاز يتصل بالإنترنت لا بد أن يكون لديه عنوان رقمي، بما في ذلك الجهاز الذي تتصفح فيه الإنترنت، ويوصف هذا العنوان بـ IP Address و IP هي اختصار لـ Internet Protocol، أي بروتوكول الإنترنت والذي تقوم عليه جميع الاتصالات عبر الإنترنت. كما أن جميع أسماء المواقع (مثال www.bbn.com) مرتبطة بعنوان IP.

العنوان يتكون من 32 خانة ثنائية (بت)، والخانة الثنائية تأخذ قيمتين فقط إما واحد أو صفر، مما يعني أنه بالإمكان أن يكون لدينا بناء على عملية رياضية بسيطة أكثر من أربعة مليار عنوان! [1]

ولكن منذ عشرين سنة تقريبا بدأ يتنبأ خبراء الإنترنت أن الأربعة مليار عنوان لن تكفي وذلك بسبب العدد الكبير المتوقع للمستخدمين والمواقع وباقي الأجهزة الأخرى المتصلة بالإنترنت. مما قاد الباحثين والمهندسين في التسعينيات لتصميم بروتوكول جديد للإنترنت يعرف بـ IPv6 بحيث خصص للعنوان 128 بت، والتي تكفي (ولا تصعقوا من الرقم) لأكثر من 340 مليار مليار مليار مليار عنوان! [2]

الانتقال من البروتوكول القديم إلى الجديد تأخر سنوات ومن أسباب ذلك التكلفة المتمثلة في ترقية البنية التحتية للإنترنت لاستخدام البروتوكول الجديد، إضافة إلى ذلك توفر بعض العلاجات المؤقتة للمشكلة [3]. ولكن ما أخبرنا عنه سيرف أنه في عام  2011 م سيضطر الناس للانتقال إلى استخدام البروتوكول الجديد لأن الأربعة مليار عنوان وقتها لن تكفي!

الطريف فيما ذكره سيرف هو إقراره بأنه هو المتسبب في هذه الأزمة، لأنه هو من أشرف قبل حوالي 30 سنة على تصميم البروتوكول الحالي، ويواصل حديثه أنه تناقش فريق العمل وقتها حول عدد الخانات التي ستعطى للعنوان، وأن الآراء كانت منقسمة بالتساوي بين استخدام 32 بت و 128 بت، فقرر هو استخدام 32 بت لأنه عدد أصغر، ولأن الإنترنت في ذلك الوقت كانت مجرد تجربة. ثم أضاف ساخرا أن هذه التجربة لم تنتهي إلى الآن، وأن التطبيق الفعلي لها سيكون عند استخدام البروتوكول الجديد!

طبعا الرجل لا يلام لأن من كان سيتوقع أن تصل الإنترنت إلى ما وصلت إليه الآن …


[1] حساب هذا الرقم مبني على وجود 32 خانة، كل خانة تأخذ قيمتين، فيكون مجموع الاحتمالات الممكنة هو أن تضرب رقم 2 في نفسه 32 مرة، وهو ما يعرف بالرياضيات بالقوى، ويصبح الناتج 4294967296.

[2] يعاد تطبيق نفس العملية بضرب رقم 2 في نفسه 128 مرة، ولكن الناتج لضخامته لا يمكن كتابته.

[3] من تلك الحلول استخدام عناوين محلية داخل كل شبكة صغيرة (مثال شبكة المنزل) بحيث تتصل أجهزة الشبكة الصغيرة بالإنترنت عن طريق جهاز واحد وبعنوان واحد، وهو ما يعرف بـ (NAT) وهي اختصار Network Address Translation.

اليومية القادمة: هاكر تائب

مبشر إنترنتي

فينت سيرف – المصدر: Google site

من ضمن نشاطات الشركة استضافة الباحثين والمتميزين في المجالات العلمية للتحدث عن نشاطاتهم، وعادة ما تكون المحاضرة في غرفة متوسطة الحجم وتلقى خلال وقت الغداء حتى يحضر أكبر عدد من الموظفين بحيث يتناولون غدائهم أثناء سماع المحاضرة، ولا تعقد المحاضرات العامة في غير هذا الوقت لارتباط الموظفين باجتماعات خلال باقي أوقات اليوم.

ولكن الأمر يختلف إذا كان المتحدث هو نائب شركة جوجل ورجل أفنى عمره في تطوير الإنترنت حتى أن مسمى وظيفته في جوجل هو Internet Evangelist والتي يمكن ترجمتها إلى مبشر إنترنتي [1]. فقد أقيمت المحاضرة الساعة الرابعة مساء حتى يمكن استخدام منطقة الكافيتريا كلها لاستضافة الحضور.

أما عن المحاضر فاسمه Vint Cerf فينت سيرف والذي مثل راي توملينسون (مخترع الإيميل) في الستينات من عمره وإن كان أكثر اهتماما بمظهره وبصحته ووزنه، وهو أيضا من ضمن قائمة أعلى خمسين شخصية صاحبة رؤية تقنية والتي نشرتها مجلة بي سي وورلد، وكان ترتيبه السادس عشر.

لأهمية المحاضرة حرصت أن يحضرها أخي ناصر والذي كان يزورني وقتها في بوسطن. تحدث سيرف أمام حشد كبير من موظفي الشركة إضافة إلى معارف موظفي الشركة والذين أتوا من خارج الشركة لحرصهم للاستماع إليه. كان جل حديث سيرف عن تاريخ الإنترنت، وكان يعرض على الحضور صورا لبعض الأجهزة التي استخدمت عندما بدأت الإنترنت، ويشير مثلا أن هذا الجهاز أو هذه الخوارزمية طورها أو ساهم في تطويرها فلان ثم يشير إليه في الحضور (مثل توملينسون) أو يذكر أنه كان يعمل في شركة بي بي إن، واستمر في حديثه المشوق والمضحك في نفس الوقت. وكان مما ذكر أنه مع بداية السنة القادمة (أي 2009) سيكون بإمكان عناوين مواقع الإنترنت أن تنتهي بأي كلمة بعد النقطة (دوت)، كما يمكن أن تكتب بأي لغة.

وللحديث بقية


[1] أود أن أوضح أن لا علاقة للرجل بالتنصير، ولكن القوم يستخدمون المصطلحات الدينية للدلالة على الأهمية، فكثيرا ما يستخدمون كلمة Bible والتي تعني الإنجيل لوصف الكتب ذات الأهمية المرجعية، وحتى وإن كانت تقنية.

اليومية القادمة: أزمة الأربعة مليار