اجتماع كل الأيادي … أخذ زمام المبادرة عند رئيس الشركة

 

تعقد شركة بي بي إن اجتماعا عاما كل ثلاثة أشهر يحضره جميع موظفي الشركة. ويسمون هذا الاجتماع اجتماع كل الأيادي (All Hands Meeting). خلال هذا الاجتماع يقوم رئيس الشركة بعرض أداء الشركة خلال ربع السنة الماضي، والحديث عن توجهات الشركة، وتكريم الموظفين المتميزين، إضافة إلى الإجابة عن أسئلة الحضور. وبعدها يختم الاجتماع بتناول طعام العشاء، والذي تذكر إحدى الموظفات أنه يمكن لها معرفة مستوى الشركة المالي من خلال مستوى الطعام المقدم، إذ ترى أن هناك ترابطا بين الأمرين.

وقد حضرت أثناء الفترة التي عملت فيها بالشركة أحد هذه الاجتماعات … لن أخوض في تفاصيل ما تحدث به رئيس الشركة ونوابه عن أداء الشركة وتوجهاتها، ولكنني سأتوقف عند حدث واحد تحدث عنه رئيس الشركة وهو التسريح الذي قامت به الشركة مؤخرا لبضعة عشر شخص من وظائفهم [1]. فقد أرسل قبل أسابيع من عقد الاجتماع إيميل بهذا الخصوص وعن عدد الموظفين الذين تم تسريحهم، وقد تمت مراعاة مشاعر هؤلاء الموظفين بعدم ذكر أسمائهم.

وخلال الفترة المحددة للأسئلة سألت إحدى الموظفات رئيس الشركة سؤالا، والتي بدا من سؤالها أنها تعرف أحد من تم تسريحهم. قالت في سؤالها لرئيس الشركة: قد ذكرت أثناء حديثك عن أداء الشركة أنكم ستستمرون في تعيين موظفين جدد (مما يعني أن مستوى الشركة المالي جيد)، فإذاً لماذا قمتم بتسريح هذا العدد من الموظفين؟

مغزى السؤال هو أن تسريح الموظفين عادة يكون سببه عدم وجود ميزانية كافية للاستمرار في تغطية دخل الموظف، ولكن من الواضح أن هذا ليس هو السبب لقراركم، فلماذا إذاً قمتم بقطع رزق هؤلاء الموظفين؟

عندها أحسست أنه سؤال محرج … وأن على رئيس الشركة إجابته أمام جميع موظفيه … وجلست أترقب هل سيستطيع الرئيس الإجابة على هذا السؤال بشكل واضح ودون أن يؤذي مشاعر أحد؟ أو بعبارة أخرى كيف سيستطيع الإجابة عليه وبأقل الخسائر الممكنة؟

بدأ رئيس الشركة إجابته بشكل هادئ …  وقال أن مثل هذه القرارات يتخذونها فقط عند اضطرارهم لذلك وليس رغبة منهم في ذلك، وأنها من الأمور التي عليهم التعامل معها كمدراء رغم على أثرها على الموظف، ولكنهم يلجؤون لذلك لتغليب مصلحة الشركة على مصلحة الفرد. ثم كرر ما ذكره في بداية حديثه من خلال الإشارة إلى أسفه لما حدث [2]، وأكد أنهم لم يتخذوا هذا القرار لكل موظف إلا بعدما استنفذوا باقي الخيارات الأخرى من نقل الموظف لوظيفة أخرى أو محاولة تطوير مهاراته لتحاكي المتطلبات الحالية للعمل بالشركة. وعبر بعدها عن تمنياته لهم وثقتهم بهم أنهم سيجدون وظائف أخرى لائقة بهم، وذلك لأن معايير الشركة في التوظيف عالية مقارنة بغيرها من الشركات، مما يعني أنهم مؤهلين لتقلد مناصب جيدة في شركات أخرى.

بعدها استمر الرئيس في إجابته ولكن الإجابة اتخذت منحى آخر تجاه نصح الموظفين الحاليين بأهمية عدم الركود والسعي الدائم لتطوير المهارات والقدرات لتتناسب مع متطلبات العمل الحالية، وأضاف أن ما كان يعد معرفته وإتقانه في السابق كافيا للتميز قد لا يكون الآن كذلك. ثم قرر الرئيس أن يكون أكثر صراحة في رأيه ويكاشف الحضور بذكر عبارة، ونبه إلى أنها قد توقعه في بعض المشاكل ولكنه سيقولها!

قال الرئيس: إن المرء الذي لا يأخذ زمام المبادرة، ويظل ينتظر أن تحدث الأمور له، فإنه يستحق أي شيء يحدث له!

أحسست بقوة العبارة وصراحتها … ولكن في نفس الوقت بصحتها … ومدى أثر ذلك في تطوير عمل الشركة والنهوض بها …

وصحيح أن الموظف في القطاع الحكومي السعودي لديه أمان وظيفي ولا يفصل من عمله، ولكن انتظاره سواء هو أو حتى الموظف في القطاع الخاص أن تحدث الأمور له لن ينتج عنه في الغالب ما يسره، فسيبقى في وظيفته دون فرصة الارتقاء.

فما رأيكم؟ هل توافقوني الرأي حول العبارة التي ذكرها مدير الشركة؟ هل ترون أن الذي لا يأخذ زمام المبادرة يستحق ما يحدث له؟ أم أن على الإدارة التي ينتمي لها الموظف الاعتناء به وترقيته بحيث يركز الموظف على شغله؟ وهل على المتخرج حديثا أن يقدم ملفه على الشركات والجهات الحكومية وينتظر ما يحدث له أم يسعى أكثر ليجد لنفسه وظيفة؟

[1] أشير إلى أن هناك فرق بين مفهوم الطرد firing والتسريح layoff، فالأول مرتبط بضعف أداء الموظف أو سوء أخلاقه، بينما الثاني مرتبط بعدم استمرار حاجة الشركة لخدمات الموظف أو عدم قدرتها على تغطية تكلفة توظيفه. وأحيانا يطرد الموظف ولكن يقال أنه سرّح تلطيفا للأمر أو تجنبا للتصعيد من قبل الموظف المفصول وذلك لأن حقوق نهاية الخدمة للموظف المسرح أكثر من حقوق الموظف المطرود.

[2] أوضح أن رئيس الشركة أبدى أسفه وليس تأسفه، والفرق بين هاتين الكلمتين مهم، فالأولى تشير إلى تعاطفه مع حالة الموظفين، بعكس الثانية والتي لم يقلها لأنها تقتضي اعتذاره عن قرار لا يرى أنه ارتكب خطأ فيه.

اليومية القادمة: اجتماع كل الأيادي … أخذ زمام المبادرة عند الرئيس الأول للشركة

3 ردود على “اجتماع كل الأيادي … أخذ زمام المبادرة عند رئيس الشركة”

  1. من خلال اطلاعي على بعض كتب الإدارة و من خلال احتككاي ببعض المتميزين أجد أن أغلب النّاجحين وظيفيـًا ، و مـاليـًا ، و علميـًا .. إلخ. لم يكونوا كذلك لولا أنهم يعتقدون إنهم هم أنفسهم المسؤولون بالدرجة الأولى عن كل ما يحدث لهم ، و أن الأمر كله في أيديهم لا أيدي غيرهم .. و يذكر قوله تعالى : ( بل الإنسـان على نفسه بصيره و لو ألقى معاذيره ) ..
    هذا الأمر يجعله أكثر جرأة على المبـادرة و العمل و السعي و الاجتهاد حتى لو كان في أحلك الظروف ، بل إنه لا شعوريـًا تجده يخلق لك من كل بصيص أمل معجزات .. هكذا ربّى نفسه و علمها .. هذه النوعيـّة من النّاس لا تستجيب للمغالطات التي قد تقودها لهم عقولهم و أنفسهم و شياطينها بأنها هذا ما كتبه الله عليك و هذا نصيبك من الدنيـا … فتجده يركن إلى الدعة و الراحة و تشل حركته بسبب استجابته لمغالطات.. ما أقوله ليس مطالبة بالجزع عن القضاء و القدر ، و لكن دعوة للتفريق بين الاستجابة للمغالطات النفسية و الحيل التي تقودها نفسه له بسبب أن نفسه في عمقها تميل إلى الكسل و تنسجم معها .. و خوفه من الفشل يجعله يعلق أخطـاءه و نصيبه على شمـّاعة القضاء و القدر !!
    الوصول لهذا المستوى العالي من طريقة التفكير و السلوك و أعني تحديدًا الأخذ بزمام المبادرة ، لا يكون – في تقديري – إلا بعد مكـابدة و عناء للتميز .. و أن يعرف المرأ ما هو المهم في حيـاته و ما هو الأهم.
    و أن يعرف المرأ ما هي الأمور الأهم و التي لها الدور الرئيسي في تشكيل و تحقيق الهدف المرجو في جوانب حيـاته المختلفة ( نفسية و مالية و دينية و معنوية ) .. يركز على أكثر الأمور تأثيرًا في جانبه .. و يشكل حيـاته بحسب ما يريد أو بشكل مقارب لما يريد

    كل هذا الكـلام الذي قلته نظريات في نظريـّات .. و يبقى المحرك الأسـاسي هو اتخاذ خطوة عمليـّة تجاه ما يريده المرأ لا أن يكتفي فقط بالنظريـّات .. بل إن الخطوات العملية تثبت النظريـّات و تزيدنا تمسكـًا بها و ثقة بها ..

    أتمنى لك التوفيق و السداد
    لا حرمك الله الأجر على ما تفضلت به

  2. هذه الطريقة في الرد مستعملة عند غالبية السياسين و خاصة في المؤتمرات الصحفية حيث ينسف الحالة التي يشير إليه السؤال بربطها بغاية أسمى بحيث تكون روعة الغاية الأسمى هي التي تقضي على مغزى السؤال و تنقله إلى شيء مؤثر و لا شك من الطريقة التي تفاعل معها الموظفون أنهم يحبون شركتهم و إلا لما اهتموا بجواب المدير و تأثروا به و للقراءة في مثل هذه الأساليب أنصح بقراءة كتاب نترجم اسمه ” لا تقع فريسة لزلة لسانك” للألماني ماتياس بوم

  3. نصف تأييد !!

    اعتقد انه محق نوعا ما لكن تحتاج توضيح اكثر وليس بهذه السهوله

    سأخذ زمام المبادره لكن في اي اتجاه!!

    اولا يجب علي ان اعرف ما تريد الشركه وماذا تخطط له الاداره، اي اداره جديده ، سيكون لها اهداف غير سابقتنا، او انها تركز على اشياء غير سابقتنا، مثل، الاداره الحاليه، تركز على التطوير، او تركز على الانتاجيه، او تركز على التوفير

    ان عرفت ماذا يريدون، هنا اركز على هذا الجانب واطور نفسي فيه

    نعود ونقول، كيف اعرف؟ ان بادرت قد لا اوفق

    لذلك، تحتاج توجيه من الشركه وان الشركه هي اللي يجب ان يكون لديها نوع من المبادره، بتوجيه الموظفين للمتطلبات اللي يحتاجون وبعدها يأتي دور الموظف بأثبات نفسه

    شكرا د. باسل على اثاره الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *